على وقع التدخل العسكري الروسي لملاحقة فلول التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية، واستمرار نجاحاته في ضرب البنى التحتية لها، تلملم وقائع الميدان أطرافها المتصادمة والمتقاطعة في محاولة لإعادة تشكلها على محور الحقيقة بإعلان الولايات المتحدة عن انتصارات هنا وتقدم هناك على الساحة العراقية.
فبعد التدخل العسكري الروسي بدا دور التحالف الستيني بقيادة واشنطن مختلفًا بعض الشيء، وإن كان يسير ببطء شديد وملحوظ في مطاردة عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي دون استهداف بناه التحتية، لكنه مع ذلك لم يتخلَّ عن سياسة المماطلة والابتزاز انطلاقًا مما في الجعبة الصهيو ـ أميركية من مخططات ومشاريع مبيتة ضد العراق ومعه سوريا بحكم الاتصال الجغرافي ووحدة الموقف تقريبًا، ما يعني أن التدخل العسكري الروسي قد كشف حقيقة تلك المخططات والمشاريع فبدأت أوراقها تتناثر على الساحتين العراقية والسورية خاصة، وساحة المنطقة عامة.
لا أحد بمقدوره إنكار أن التدخل الروسي والتعاون العسكري مع الجيش العربي السوري قلب معادلات الميدان لصالح الدولة السورية، مُحقِّقًا إنجازات كبيرة، منها ضرب مراكز القوة وغرف عمليات واتصالات التنظيمات الإرهابية التكفيرية وفي مقدمتها ذراعا تنظيم القاعدة «داعش والنصرة» عبر الضربات الجوية الروسية ـ السورية المشتركة التي مهدت طريق التقدم للقوة على الأرض وهي الجيش العربي السوري، وشكلت تغيرًا جذريًّا في قواعد الاشتباك مكَّنت الجيش السوري من بناء استراتيجية ميدانية محكمة بدت نجاحاتها ومفاعيلها على الأرض بتطهير القرى والمدن المحاصرة من التنظيمات الإرهابية وإعادة الأمن والأمان إليها.
لا شك أن هذا التقدم الميداني للجيش العربي السوري بقوة التدخل العسكري الروسي وتدخله، ومصداقية دوره له انعكاساته على الساحة العراقية بالنظر إلى الاستراتيجية الأميركية وتحالفها الستيني لمحاربة تنظيم «داعش»، في حين تشكل الحدود السورية ـ العرقية ـ التركية خزانًا تموينيًّا وقاعدة خلفية إضافية لتنظيم «داعش» في العراق بحكم سيطرة التنظيمات الإرهابية على المعابر الحدودية، ما سهَّل ضخ الدعم من أموال وسلاح وإرهابيين، بينما يفترض أن السماء العراقية بأكملها مغطاة من قبل التحالف الأميركي، وهذا الغطاء العسكري بإمكانه تدمير مخازن النفط المسروق من قبل «داعش» ومخازن السلاح، بمعنى تدمير البنية التحتية الممولة للتنظيم، وهو ما فضح حقيقة الاستراتيجية الأميركية وتحالفها الستيني وأنهما لا يعدوان عن كونهما فرقعات وبروباجندا إعلامية. ولذلك الإنجازات الكبيرة للتدخل العسكري الروسي في الحرب على الإرهاب خلال حوالي أربعة أشهر أزعجت الولايات المتحدة، ما دفعها مكرهة إلى القيام بعمليات عسكرية خجولة ضد تنظيم «داعش»، ربما لرفع الحرج وستر حالة الافتضاح والانكشاف، ولقطع الطريق على الحكومة العراقية من الاستعانة بروسيا الاتحادية في حربها ضد «داعش»، ولخلخلة التعاون الاستخباري القائم بين العراق وإيران وسوريا وروسيا. فعلى الرغم من عشرات الغارات في العراق وسوريا، كان حالة معدومة في السابق وقبل التدخل الروسي في سوريا إعلان واشنطن أنها استهدفت قيادات «داعشية» أو مخازن نفطية أو مخازن أسلحة لتنظيم «داعش»، مع اليقين التام بأن الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها تملك المعلومات الكافية والإحداثيات عن قيادات والبنى التحتية للتنظيم، ومصادر تمويله.