من حتميات العلاقة بين القطاعين العام والخاص أن تتضافر جهود القطاعين حول ما يخص مجالات التنمية المختلفة والنشاطات الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل المسؤولية المشتركة والشراكة القائمة بينهما، ذلك أن هذه العلاقة والشراكة لهما مفاعيلهما على مستوى العطاء والإنتاج، سواء من جهة الالتزام حرفيًّا بنصوص قانون العمل، وتحديث القانون بما يتواكب مع المستجدات، أو من حيث الاهتمام بالموارد البشرية من منطلق أن هذه الموارد هي بمثابة رأسمال بشري أو قيمة مضافة تتوقف عليها كل عمليات الإنتاج والتقدم والتطور، الأمر الذي يجعل مهمة استخدام الموارد البشرية استخدامًا أمثل أمرًا في متناول اليد، وإقامة علاقة شراكة حقيقية وتعاون وثيق بين الدولة والقطاع الخاص لتحقيق المستهدف من برامج التنمية البشرية.
فالتنمية البشرية والاهتمام بكل ما هو إنساني أو متعلق بالإنسان في مجتمعنا كان ولا يزال وسيظل توجهًا عمانيًّا أصيلًا، وأهم ركائز النهضة المباركة وإنجازاتها ليس على الصعيد الإنساني فحسب، وإنما على الصعد المختلفة كافة ذات العلاقة بالدولة العمانية العصرية، حيث كان الاهتمام بالإنسان العماني هو الانطلاقة الحقيقية والمرتكز لدى مؤسس نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أدرك إدراكًا يقينيًّا أن الإنسان هو محرك التنمية، وهو الحافز الأول لأي عمل تنموي، مثلما هو أيضًا هدف أي برنامج تنموي أو تحديث؛ ولهذا حرص جلالته ـ أيده الله ـ على استنهاض إمكانات المواطن وتأهيله وتثقيفه والاهتمام بأحواله المعيشية والصحية حتى يكون مؤهلًا وقادرًا على القيام بما يناط إليه من أدوار ومسؤوليات ومهام.
ما من شك، أنه على الرغم من الإنجاز اللافت والحاصل في مجال تنمية الموارد البشرية، فإن هذا المجال لا يخلو من التحديات شأنه شأن أي مجال آخر، فهناك مساعٍ وأهداف يظل تحقيقها مطلبًا ملحًّا، سواء لدى الحكومة أو القطاع الخاص، من حيث إيجاد مؤسسة ذات قيمة مضافة من خلال القادة الأكفاء، وتوظيف التكنولوجيا لجيل جيد من إدارة الموارد البشرية، وتحديد الكفاءات والمواهب لتطوير الموظفين بعقد جلسات نقاشية تدور حول أسلوب القيادة الناجح في الشركات المتعددة الثقافات، وتطور الشخصية في بيئة العمل، ومستقبل وتطوير الموارد البشرية، وإيجاد الثقة في النفس للقائمين على تطوير تلك الموارد والتكنولوجيا الحديثة، وتعزيزها لوظيفة الموارد البشرية في مختلف قطاعات العمل.
تلك النظرة المتطلعة كانت أحد محاور مؤتمر القوة الكامنة للموارد البشرية تحت عنوان “عهدٌ جديد للموارد البشرية” الخاص بشركة النفط العمانية للمصافي والصناعات البترولية “أوربك” ونظمته شركة الأصايل للمؤتمرات، والذي انطلقت أعماله أمس بفندق قصر البستان برعاية معالي الشيخ خالد بن عمر المرهون وزير الخدمة المدنية.
المؤتمر في مضمونه جاء ليقدم رؤية جديدة في عالم الموارد البشرية وتنميتها، ويقدم مثالًا جيدًا يمكن أن تحتذيه شركات ومؤسسات القطاع الخاص وكذلك العام، وبناء شراكة حقيقية وتفعيلها، إذ إن الاستثمار في الموارد البشرية له إيجابياته على صعيد العمل الوطني، وذلك بإنجاح سياسة التعمين والتقليل من الاعتماد على القوى العاملة الوافدة، وخفض نسبة الاستقدام منها، والاعتماد على القوى العاملة الوطنية. وتوجه شركة “أوربك” نحو الاهتمام بالموارد البشرية والقضايا التي تهم تنميتها، توجه رائد شريطة أن يستمر. فالشركة ـ وحسب رئيسها التنفيذي ـ مقبلة على توسع كبير في أنشطتها، ويصاحب هذا التوسع حاجة ماسة لتنمية القدرات البشرية من حيث العدد والكفاءة. ومن هذه الأنشطة، مشروع تحسين مصفاة صحار استحدث أكثر من (27) ألف وظيفة (مباشرة وغير مباشرة)، والشركة تقوم حاليًّا بتوسعة مصفاة صحار، حيث وصلت نسبة التنفيذ فيها إلى 80 بالمئة، كما تخطط الشركة في البدء ببناء أكبر مشروع منتجات بتروكيماوية على مستوى السلطنة (مجمع لوى للصناعات البلاستيكية) والذي من المتوقع أن تصل تكلفته إلى 5 مليارات دولار أميركي، وسوف يسهم في إيجاد آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة وسيسهم بشكل كبير تجاه التنمية الاقتصادية للبلاد.