حرصت النهضة المباركة منذ فجر انطلاقها تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على إحاطة المواطن بعملية التنمية وأنه موضوع في حسابات القائمين عليها، وأن حقه فوق كل اعتبار، انطلاقًا من الهدف الذي جاءت من أجله النهضة المباركة وهو بناء الإنسان العماني، والعمل على تحقيق هذا الهدف، لذلك فإن أقصر السبل إلى إشعار المواطن وإحاطته بأنه جزء من العملية التنموية وفي صلبها، بل إنه هدف أي عملية تحديث نهضوي في البلاد هو قطاع الخدمات الذي يوفر الحاجات الأساسية للمواطن، وتشعره بكرامته وحريته، وتمتعه بكافة حقوق المواطنة، تلك الخدمات التي تتشكل من خلال المسكن المريح والمرافق الدائمة والطرق الآمنة، وكل ما يتعلق بهذه الخدمات من عوامل الأمن والأمان والاستقرار من أجل العكوف على تنشئة الأسرة المطمئنة السليمة في النفس والبدن والعقل. وليس أقدر على بث الطمأنينة في نفس المواطن من شعوره بامتلاك المسكن الملائم والقائم في المنطقة التي تتوافر بها الخدمات الأساسية، لذلك سارعت الجهات المختصة إلى توزيع الأراضي على المواطنين على نحو يحافظ على مبدأ تكافؤ الفرص، والتمدد الأفقي للبناء، وتحقيق مبدأ الانتشار، والبُعد عن التكدس في الأماكن المركزية مثل العاصمة مسقط.
صحيح أن عملية توزيع الأراضي تتم بأسلوب حضاري يأخذ بمبدأ التيسير على المواطنين خاصة في الموقع والأسعار الرمزية التي لا تذكر قياسًا بحجم الإنفاق الذي تتكبده الدولة من أجل تمديد المرافق إلى المناطق السكنية الجديدة، وشق الطرق إليها وتطوير الحركة الصناعية والتجارية من حولها ليتوافر لسكانها مصدر الرزق الملائم، فضلًا عن فرص الاستثمار المتعددة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو الكبيرة كل على حسب قدراته وموهبته الذاتية، وهذه خدمات حكومية جليلة مشكورة، وتحظى بالاحترام والتقدير من قبل المواطن المستفيد. إلا أن تنامي الطلب على الأراضي من قبل المواطنين الراغبين في الاستقرار بات يفرض تحديات على الجهود الحكومية المتوالية، خاصة في ظل تراجع أسعار النفط وما استتبع ذلك في عدم قدرة الحكومة على مواصلة مشاريع التنمية بالوتيرة العالية أثناء فترة انتعاش أسعار النفط، وبالتالي أصبح الأمر بحاجة إلى تنظيم أكبر من خلال إقامة مخطط مدن متكاملة بحيث تكون أراضي المخطط موزعة بين الاستخدام السكني وبين الاستخدام التعليمي والصحي بتخصيص أراضٍ لإقامة مبانٍ مدرسية ومستشفيات ومراكز صحية عليها، وتحديد أماكن الصرف الصحي، وإمدادات الكهرباء والمياه، وشبكة الهاتف، وتحديد المسارات السليمة لها بحيث لا يؤثر مسار خدمة على مسار خدمة أخرى، وكذلك تخصيص أراضٍ لإقامة حدائق ومتنزهات عليها ومراكز تجارية، على أن يتم توزيع قطع الأراضي وفق الطلبات المقدمة، مع مراعاة إقامة مثل هذه المخططات المتكاملة من حيث الخدمات بناء على حجم وعديد الطلبات المقدمة في منطقة ما، الأمر الذي سيوفر الجهد والوقت للحكومة ولا يشتت جهودها، خاصة عند حرصها على توفير الخدمات في منطقة بها بيت أو بيتان أو أكثر، طبعًا مع عدم إنكار حقهم في ذلك.
ولعل الاتفاقيتين اللتين وقعهما أمس الأول معالي الشيخ سيف بن محمد الشبيبي وزير الإسكان بإنشاء البنية الأساسية للمنطقة السكنية الجديدة بولاية لوى بمحافظة شمال الباطنة، والخدمات الاستشارية لإعداد الدراسات اللازمة والمخطط التفصيلي للتجمع العمراني الجديد بمنطقة النجد بولاية ثمريت بمحافظة ظفار، تعدان نموذجًا مثاليًّا في تخطيط المدن السكنية بكامل خدماتها من البنية الأساسية والمرفقات، إذ إن هذا التوسع العمراني المدروس لا يعكس فقط حجم ما تقدمه الحكومة من خدمات للمواطن وتوفير سبل العيش الكريم والحياة الهانئة المستقرة له، وإنما يقدم حلولًا ويوفر جهودًا كبيرة على الحكومة من شأنها أن تواكب حرصها على تقديم الخدمات الأساسية لكونها حقًّا من حقوق المواطن، وتقضي بالمقابل على حالة التبرم والتذمر التي يبديها المواطن من منحه قطعة أرض سكنية في منطقة لا تتوافر بها الخدمات الأساسية، وبالتالي تحقق الرضا الذي تسعى إليه حكومة جلالة السلطان المعظم ـ أبقاه الله.
ومن ينظر إلى المخططين المذكورين (لوى والنجد) يجد أنه يحقق انتشارًا على أوسع مدى ممكن سكانيًّا، ويتيح فرصًا استثمارية أكبر لمناطق ظلت بكرًا لأعوام طويلة حتى طالتها يد الإصلاح والتحديث التي أولها وأهمها النهضة العمرانية وتحقيق مبدأ الجذب السكاني.