إعلان أحزاب سورية كردية أمس الأول النظام الفيدرالي في مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، خطوة غير موفقة، ويمثل ضربة لكل الجهود التي بذلتها الدولة السورية جيشًا وشعبًا وقيادةً، بل إنه يمثل إهانة لدماء الشعب السوري وعناصر جيشه الباسل ولكافة التضحيات في سبيل الحفاظ على وحدة الوطن السوري.
نعم قد تُفهم الخطوة في سياقها الظاهري على أنها وسيلة من وسائل الضغط على الولايات المتحدة وأتباعها تحديدًا لاستبعادهم المكون الكردي من محادثات مؤتمر جنيف الثالث، وبالتالي إعلان النظام الفيدرالي يأتي تعبيرًا عن ما يشعر بها الأكراد من امتعاض وإهانة من استبعادهم من المحادثات بسبب الفيتو التركي، إلا أن الخطوة في سياقها الخفي قد تمهد لبداية تقسيم سوريا باستقرار الأكراد على هذا الخيار الذي لطالما حلموا به في سياق رغبتهم في إقامة دولة كردية تمتد من شمال العراق وحتى جنوب تركيا فشمال سوريا، وهذا ما يعد خروجًا عن الإجماع السوري وضربة قاصمة لوحدة التراب السوري، وانتقاصًا من حق الأكراد الوطنيين الذين يتمسكون بوحدة الدم والتراب السوري.
وكما هو معروف أن قيام أي نظام فيدرالي أو اتحادي لا يكون إلا بموافقة جميع الأطراف المعنية، وفي وضع سوريا، فإنه لا يحق لأي طرف كان أن يُقدِم على خطوة من هذا النوع دون موافقة جميع الشعب السوري، وإلا يعد خروجًا عن الإجماع وشقًّا للصف وضربًا للوحدة الوطنية؛ ولذلك جاء الموقف السوري الرسمي صارمًا وحاسمًا وحازمًا بشأن ذلك، حيث أكدت الحكومة السورية وعبر وزارة الخارجية والمغتربين أن “طرح موضوع الاتحاد أو الفيدرالية سيشكل مساسًا بوحدة الأراضي السورية، الأمر الذي يتناقض مع الدسـتور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية، وأن أي إعلان في هذا الاتجاه لا قيمة قانونية له، ولن يكون له أي أثر قانوني أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي طالما أنه لا يعبر عن إرادة كامل الشعب السوري بكل اتجاهاته السياسية وشرائحه المتمسكين جميعًا بوحدة بلادهم أرضًا وشعبًا”. كما أن هذه الخطوة من بعض الأحزاب الكردية تتناقض مع المهمة الأساسية أمام السوريين كافة وهي محاربة الإرهاب، وإذا كان المكون الكردي يأخذ على وفد “معارضة الرياض” من حيث إن به أعضاء يمارسون الإرهاب وآخرين يدعمون ويدافعون عنه، فإنهم بشق عصا الوحدة والإجماع الوطني على وحدة التراب السوري يعطون للمتآمرين وأعداء سوريا مبررًا لشن عدوان على الأراضي السورية بحجة منع قيام نظام فيدرالي. فحكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا لا تزال تتربص بسوريا عبر الأكراد وتتخذ من حزب العمال الكردستاني ذريعة ليس للنيل من الأكراد فحسب، وإنما لتحقيق أطماع تركية في سوريا، حيث اللعاب التركي يسيل ليقضم مدينة حلب بأكملها ضمن مشروع تحقيق الأحلام العثمانية. كما تعطي خطوة تقسيم سوريا فرصة للتنظيمات الإرهابية وداعميها للنيل من وحدة سوريا، الأمر الذي سينتج عنه تشتت الجهود السورية التي يقوم بها الجيش والشعب والحكومة من أجل تطهير سوريا من دنس الإرهاب وردع المتآمرين ودحرهم.