يأتي الاحتفال بعيد الأضحى المبارك وما يمثله من قيم إنسانية، ومباهج نفسية، كرسالة إدانة للأمتين العربية والإسلامية على صمتهما المريب الذي يكتفي ببيانات الاستنكار والإدانة على الجرائم الإسرائيلية، دون أن يكون لذلك تأثير على الحياة التي يعيشها الفلسطينيون في الداخل الفلسطيني، فكيف يستمتع الفلسطينيون بالعيد في ظل عدوان واحتلال همجي متواصل، يستهدف كل ما هو فلسطيني حجرًا كان أو بشرًا أو حتى شجرًا. لقد حول عدوان كيان الاحتلال الإسرائيلي العيد في الأراضي الفلسطينية إلى مجرد أيام يتجرع فيها الفلسطينيون حاضرهم المليء بالمآسي، بذكريات أن جرائم ارتكبت في حقهم وحق آبائهم يخجل التاريخ في ذكرها وسط صمت عربي إسلامي وتواطؤ دولي في عالم يكافئ المجرم على إجرامه، عالم فقد بوصلة الضمير ليترك سكان فلسطين العزل فريسة بيد جلاد لا يراعي أقل الحقوق الإنسانية.
ومن المصادفات المضحكة المبكية أن يتزامن عيد الأضحى المبارك هذا العام مع ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي شهد عام ميلاده سنة 1948م ذكرى النكبة الفلسطينية، وذكرى مجازر ارتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب ولا يزال يرتكبها، ولا يزال أصحاب الإعلان يغمضون الأعين عن جرائم هذا الكيان الغاصب الذي غرز خنجرًا مسمومًا في خاصرة الوطن العربي، وسانده غارزوه بأيديهم وبكل ما لديهم، ليسرق الأرض وينشر الفرقة في منطقة تشهد على أطماعهم القديمة والحديثة، ففي ذكرى الإعلان المعني بحقوق الإنسان لا يزال الشعب الفلسطيني يرزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، ويتعرض لأبشع حروب الإبادة، وما الحصار المفروض على قطاع غزة إلا خير دليل على غطرسة كيان الاحتلال الإسرائيلي واستهدافه كل المقومات الفلسطينية الدينية والثقافية والاجتماعية بعد أن احتل الأرض وجوع أصحابها، والغريب أن هذا الكيان الغاصب يشارك المتواطئين في الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الوقت الذي ينتهك فيه حقوق الشعب الفلسطيني، رغم أن حقوق الإنسان هي جزء لا يتجزأ، يتطلب الاحتفال بها بالالتزام باحترامها وعدم انتهاكها، وفي الوقت الذي لا تزال سجونه تمتلئ بشتى صنوف العذاب للأسرى الفلسطينيين، ولا يزال يخرق القانون الدولي وينتهك حقوق الإنسان بما يسمى بالاعتقال الإداري الذي تدينه كافة القوانين والأعراف الدولية.
برغم أن الشعب الفلسطيني مثله مثل باقي الشعوب العربية والإسلامية يتطلع في الأعياد إلى تعزيز القيم والمعانِي الطيبة، ويتطلع أن يعيش حياة سعيدة، تمتلئ أمنًا واستقرارًا، فبرغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون يحرص العديد منهم على وجود مظاهر عيد الأضحى المبارك في منازلهم، وإدخال البهجة والفرحة على أطفالهم رغم ما يعانونه من ظروف معيشية حالت دون تمكن الكثيرين منهم من أداء الأضحية أو حتى شراء الملابس لأطفالهم الذين ينتظرون العيد بلهفة، إذ تمثل ذلك في حالة الركود التي شهدتها أسواق الحلوى والملابس والمواشي، من خلال ضعف الإقبال عليها، رغم أنها عجت بالبضائع بمختلف أنواعها، لكنها لا تزدحم بالمتبضعين. فسيطرة الاحتلال على أرزاق الفلسطينيين تجعل من الاحتفال الفلسطيني بالعيد دربًا من دروب الخيال. نعم غزة تتعرض لحصار خانق يفوق قدرة أي أمة على الاستمرار، لكن الضفة أيضًا، وبرغم أوسلو تعاني من سيطرة قوات الاحتلال التي تسرق المزيد من الأموال الفلسطينية، وتحرم عمال فلسطين من العمل لتركيع الحركة المقاومة.
إن العنجهية الإسرائيلية تتجلى بوضوح في إعلان كيان الاحتلال الغاصب إضافة 110 ملايين شيكل لميزانية حماية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والمحيطة بقطاع غزة، أي أن أموال الفلسطينيين المسروقة يستخدمها الاحتلال في تسمين حماية سرطانه الاستيطاني، حتى يتسنى لقطعان المستوطنين مزيد من التغول والعربدة ضد كل ما هو فلسطيني، وما حرق عائلة الدوابشة ببعيد. ولعل من الاستفزاز بمكان أن يتم إعلان هذه الزيادة في ظل عدم قدرة الفلسطينيين على الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، نظرًا لوضعهم الاقتصادي البئيس الذي صنعه الاحتلال بيديه، وفي الوقت الذي يسمن فيه أموال حماية مستوطنيه نجده يمنع المزارعين من العمل في أراضيهم بمسافر يطا جنوب الخليل، بحجة أنها منطقة عسكرية مغلقة، وما زال الشعب الفلسطيني يعاني من تبعات وويلات الاحتلال، فالعنصرية ما فتئت تجثم على صدور أبناء فلسطين وما برحت قافلة الشهداء في الضفة الغربية والقدس المحتلتين مستمرة، وما زال، كذلك، الحصار على قطاع غزة مستمرًّا.
وبدلًا من أن تشكل الحركة الأسيرة الهم الأكبر للقضية الفلسطينية في العيد، حيث يغيب حوالي 7 آلاف أسير عن ذويهم، أصبحت الحركة الأسيرة بنضالها الذي يجمع الفلسطينيين ويبعدهم عن الانقسام المرير، هي نقطة الضوء الذي يصنع الأمل في النفوس، فتضحيات الحركة الأسيرة المناضلة، وتجاربها وخبراتها في انتزاع حريتها بنضال مثابر وتضحيات جمة، أجبرت المحتلين والطغاة على التسليم في خاتمة المطاف بحقوقها المشروعة، فمقاومة الحركة الأسيرة وإصرارها على مواصلة إضراب بعض الأسرى وتحملهم للآلام المبرحة مصدر إلهام هائل، ومصدر لطاقة كفاحية متدفقة، وللثقة بإمكانية تحقيق الانتصار بصدور عارية وأمعاء خاوية على إدارة السجان وقيوده، وإجباره على الإذعان لإرادة المعتقلين والأسرى والتسليم بحقوقهم، بما في ذلك إجباره على إطلاق سراحهم، وعدم مواصلة التمديد للاعتقال الإداري، فلهم التحية، ولهم الحق وبهم يصنع.