لم يعد دور القطاع الخاص مقتصرًا على جوانبه الاقتصادية فحسب، ولكن وفقًا للتطورات الحديثة، وإفساح الدولة له المجال الاقتصادي الكامل، وتوفيرها مناخًا استثماريًّا جاذبًا للأعمال، فإنه بات ملزمًا بالمشاركة البناءة في كافة الجهود التنموية التي تقوم بها الدولة، سواء ذلك عبر شراكة اقتصادية مع القطاع العام تسمح للقطاع الخاص بالعمل وفق المنظومة الربحية التي تمثل التوجه الأول لهذا القطاع المحرك للاقتصاد الوطني، ولكن يظل على عاتقه الالتزام بالمنظومة التنموية والاجتماعية، بشكل يحمي استثماراته في المقام الأول، فدولة الرفاهية التي تتمدد بها الطبقة الوسطى العليا، وتقود الطبقات، هي أفضل مناخ يحافظ على استثمارات القطاع الخاص وتنميها، فالمصلحة في القضاء على الفقر والجهل والمرض، لم تعد شأنًا حكوميًّا خالصًا كما كان في الماضي، لكنه أضحى مسؤولية جماعية لكافة فئات وأطراف المجتمع، وعلى رأسهم الرأسماليون الذين يقودون القطاع الخاص نحو النمو المستدام.
ولعل مسؤولية القطاع الخاص لم تعد مجرد توسع استثماري يوفر فرص عمل لكوادرنا الوطنية، ولكن ظهرت مؤخرًا نظريات حول المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص تسعى إلى أن يكون شريكًا فاعلًا في كافة الأعباء التي كانت قديمًا حكرًا على الحكومات، فالمساهمة في تطوير منظومة التعليم، والسعي إلى فتح آفاق جديدة للمنظومة الصحية للدولة، والعمل على سد الثغرات التي تزيح بعضًا من التكاليف والأعباء عن كاهل الدولة، وتخلق سوقًا لديه قوة شرائية كبيرة، تستطيع تحقيق نمو مستدام للاقتصاد الوطني ككل، وتوفر للقطاع الخاص قوة اقتصادية يستطيع من تراكماتها بناء منظومة اقتصادية قادرة على التنافس الإقليمي والعالمي، والسعي المستمر نحو تطوير القطاعات التنموية يحقق المصالح لكافة أطراف المعادلة من مجتمع وحكومات ورجال أعمال.
وتأتي تلك الأدوار الجديدة للقطاع الخاص وفق التوجهات الجديدة للاقتصاد الوطني في السلطنة، فالشراكة بين القطاعين العام والخاص حظيت باهتمام كبير من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ كون التنمية الاجتماعية والاقتصادية تستند إلى تجميع كافة إمكانات المجتمع بما فيه من طاقات وموارد وخبرات متاحة في كل من القطاعين العام والخاص، لذا فالقطاع الخاص بات مطالبًا بدور حيوي وفعال يواكب طموحاته في الأساس الأول في التنمية، قبل تطلعات الحكومة التنموية، فالمنظومة مترابطة بشكل ينعكس التقصير في حلقة ما على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي داخل الوطن الواحد، وذلك ليس مجرد مساعدة لجهود الدولة فحسب، ولكن حفاظًا على الرأسمال الخاص، والسعي المستمر في تنميته اقتصاديًّا لينعكس على المجتمع ككل، ويفتح آفاقًا للمستقبل تتواكب مع ما تملكه البلاد من مقومات.
ويعد نموذج توقيع الهيئة العمانية للأعمال الخيرية مع شركة صلالة للميثانول اتفاقية تمويل برنامج المساعدات الدراسية لعام 2018م (الدفعة الرابعة) لأسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود والأيتام إحدى الخطوات التي تعبِّر عن تلك الحالة، فمساعدة الحكومة في واجباتها تخلق قوى بشرية متعلمة، يستطيع القطاع الخاص الاستفادة منها في خطواته التطويرية، حيث نصت الاتفاقية على تخصيص مبلغ 200 ألف ريال عماني من شركة صلالة للميثانول لتمويل (45) منحة دراسية لأسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود وفئة الأيتام بمحافظة ظفار، وهي خطوة تفتح الطريق لمجتمع صحي وسليم، يتطلع للنهوض والمستقبل دائمًا، فالتعاضد والتكاتف هو الطريق الوحيد والأمثل في تحقيق التنمية المستدامة التي تصنع مستقبلًا أفضل.
المصدر: اخبار جريدة الوطن