تمضي خطط التنمية في بلادنا بخطى ثابتة وملموسة، وتطرح الأرقام التي ترد في الموازنة العامة للدولة تأكيدات على ذلك، حيث توضع ميزانيات كبيرة لضمان صيرورة مسيرة التنمية حسب الخطط الموضوعة لها، وتلفت الإنجازات المتسارعة على أرض السلطنة انتباه مراقبين دوليين يلاحظون تنامي حركة البناء والتعمير في البلد، مواجهة في سبيل ذلك كل التحديات والتنبؤات بوجود صعوبات اقتصادية مستقبلية، بسبب ظروف موضوعية عالمية أو إقليمية أو ظروف مفتعلة، أو تلك المتعلقة باحتمالات نجاح خطط تنويع مصادر الدخل والاستغناء عن المصدر الواحد.
ويكشف حجم الإنفاق العام المعتمد للميزانية العامة للسنة المالية 2015م المقدر بنحو (14.1) مليار ريال عماني والتي نالت أمس شرف التصديق من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (1/2015)، يكشف عن مدى التصميم والإرادة لمواصلة التنمية في البلاد، وعدم الاستسلام أمام الظروف الحاصلة والمفتعل في جانبها الأكبر في أسعار النفط، والتي تحولت إلى حرب أسعار للذهب الأسود بناء لحالة التراجع اللافت في سعر النفط بصورة يومية، وتراجع اقتصادات كثير من الدول جراء هذه الحرب.
وإزاء هذا الراهن المفتعل الذي أنشب مخالبه لمحاربة أقوات الشعوب والتضييق على عيشهم، فإن الثقة كبيرة ـ كالعادة ـ في قدرة الحكومة على تجاوز هذه التحديات انطلاقًا من التوجيهات السامية والإيمان العميق بالحكمة الكبيرة وبُعد النظر لدى جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ في اجتراح الحلول المجدية، وضرورة التحرك بشكل لافت وسريع إلى المصادر البديلة والإقدام على تنويعها، وما من شك أن من استطاع أن يحافظ على الاقتصاد الوطني في أكبر محنة اقتصادية يشهدها العالم وهي الأزمة المالية العالمية الماضية، فإنه ـ بعون الله وتوفيقه ـ قادر على تجاوز هذا الطارئ، ما دام الأمل والثقة رداء تدثرت به بلادنا طوال سني النهضة المباركة.
وبالعودة إلى تصريح صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء مؤخرًا حول ما تشهده السوق العالمة من انخفاض حاد في أسعار النفط، يقف على حجم التفاؤل والأمل الملتحفين بالثقة والإيمان بالله في تجاوز هذا التحدي، حيث أكد سموه أن الحكومة ومؤسسات الدولة المختصة تقوم بتقييم يعمل على تخطي الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الانخفاض الحاد لأسعار النفط من أجل أن تتبلور تلك الخطوات إلى حلول عملية تأخذ في الحسبان العديد من الاعتبارات المناسبة والقابلة للتطبيق، منوِّهًا سموه إلى أن السلطنة ومنذ بداية النهضة المباركة عام 1970م قد تعايشت مع التقلبات في أسعار النفط، واستطاعت برؤية جلالة السلطان المعظم المستنيرة، وتضافر جهود أبنائها أن تتجاوز كل التحديات، وتحقق معدلات اقتصادية واجتماعية متطورة وما زالت. لا سيما وأن المقومات المتمثلة في المرافق الأساسية ومجالات التنويع الاقتصادي والاستثماري التي تشهدها عُمان اليوم مكتملة في كل شبر من أراضيها بحمد الله وتوفيقه. وعلى الرغم من هذه المتغيرات والتحديات العالمية على الساحة النفطية فإن الحكومة حرصت على مراعاة عدم التأثير على الجوانب الحياتية للمواطنين وما يقدم لهم من خدمات أساسية، وكذلك عدم التأثير على سياسات التعمين والتوظيف وبرامج التدريب والتأهيل في القطاعين العام والخاص، وعدم المساس بمستحقات الموظفين والعاملين في الدولة.
وما من شك أنه يمكن ملامسة ذلك من خلال الارتفاع في حجم الإنفاق في الميزانية من عام إلى آخر، ما يبين أن هناك تحولات جذرية حدثت في مختلف مسارات التنمية وفي جانب التحسين المستمر في بنيتها التحتية ورفدها بالمزيد، وكذلك الاهتمام بالتحسين المطرد للمستوى المعيشي للمواطنين، وفتح أبواب التوظيف لعشرات الآلاف، وتفاصيل الأرقام التي أعلنها بيان وزارة المالية أمس حول الموازنة العامة للدولة تعد بمثابة جدول أعمال للحكومة خلال هذا العام يحدد أغراضها وأهدافها التي في العادة تحمل الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذلك من المهم أن تكون هناك متابعة ورقابة رصينة لعمليات الإنفاق على محتويات جدول الأعمال في ظل القانونين الخاصين بالرقابة المالية والإدارية وحماية المال العام.