يستقطب مشروع الميزانية العامة للدولة كبير الاهتمام والدراسة ليس من قبل المعنيين مباشرة برسم ملامحها من حيث حجم الإنفاق ومصادر الدخل وحجم العجز فحسب، وإنما من قبل جميع الأطياف داخل الدولة من أفراد المجتمع ومؤسسات حكومية وخاصة، وموظفين وباحثين عن عمل، وذلك لما يتوقف على هذه الميزانية من أهمية في تقديم كشف صريح وشفاف (ويجب أن يكون كذلك) حول العناصر الخاصة بكل من الأصول داخل المنشآت ومدى الالتزام بذلك، ومدى قدرة الميزانية على الوفاء بالذمم المالية للمؤسسات الحكومية والخدمية، فمن خلال ما سيفصح عنه من مخصصات مالية للوحدات الحكومية أو القطاعات الخدمية سيتبلور الفهم حول إمكانية هذه القطاعات الوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع وتحقيق برامج الخطط الخمسية وأهدافها، أو البقاء في دائرة ترشيد الإنفاق من عدمه، وبالتالي توقف المشروعات المعتمدة والمتعثرة، سواء بالخطة الخمسية الثامنة والخطة الخمسية التاسعة أو المضي في إنجازها، وكذلك إمكانية الوحدات الحكومية التحرك خطوة باتجاه ترقية موظفيها المستحقين والذين مرت على استحقاقهم للترقية سنوات عدة.
الجلسة غير العلنية التي عقدها مجلس الشورى أمس وناقش خلالها تقرير اللجنة الاقتصادية والمالية حول مشروع الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2019م المحال من الحكومة، حازت اهتمامًا واسعًا ـ رغم عدم علنيتها ـ بالنظر إلى الرغبة الأكيدة في معرفة مرئيات مجلس الشورى بوجه عام وليس اللجنة الاقتصادية بوجه خاص. فهناك قضايا ومجالات تنموية عديدة تحظى باهتمام بالغ، سواء من قبل أفراد المجتمع أو من قبل الوحدات الحكومية كقطاعات التعليم والصحة والنقل، حيث يسعى كل قطاع من هذه القطاعات الخدمية إلى تعزيز دوره ونشر رسالته وإنجاز ما يقع على عاتقه من مشروعات يجب إقامتها وتلامس مطالب الناس، ومتطلبات الحياة اليومية. فبدون شك ثمة مطالب بإقامة مدارس ومستشفيات ومراكز صحية ورصف طرق ومد شبكات كهرباء ومياه واتصالات وغيرها، وكما هو معروف أن مثل هذه المشروعات التنموية يتوقف إنشاؤها على الميزانية العامة للدولة، ومدى قدرتها على إعانة تلك القطاعات على الوفاء بالتزاماتها.
وما رشح عن الجلسة غير العلنية والمتمثل في مجموعة من التوصيات التي أوصت بها اللجنة الاقتصادية جدير بالمتابعة من قبل مجلس الشورى، وكذلك من قبل مجلس الدولة الذي سيتولى هو الآخر دراسة مشروع الميزانية العامة للدولة، حيث جاء من بين هذه التوصيات الدعوة لمراجعة أسعار بيع الغاز لشركة صحار للألمنيوم وفقَا لأسعار البيع العالمية، بالإضافة إلى توصية أخرى بإيجاد آلية مناسبة لعملية استيعاب الباحثين عن عمل عبر برنامج زمني لإحلال الأيدي العاملة الوطنية محل الأيدي العاملة الوافدة بالقطاع العام، وأهمية أن يركز مشروع الموازنة العامة على ترقيات الموظفين العاملين بالقطاع العام.
إن إعادة النظر وإجراء المراجعات الضرورية لمصادر الدخل، والتحرك الجاد نحو تنويعها والتنويع الاقتصادي، والبحث عن الآليات السليمة لاستيعاب الباحثين عن عمل وترقية من هم على رأس عملهم والمستحقين للترقية، قضايا لا تحتمل التأجيل، لما تمثله من تحديات قابلة للتراكم والاستعصاء في حال التأخر في إيجاد الحلول المناسبة لها؛ لذلك نشد على أيدي المعنيين والمخططين ومتخذي القرار سرعة الانتقال إلى المعالجات السليمة حفاظًا على وتيرة مسيرة التنمية الشاملة في البلاد.
المصدر: اخبار جريدة الوطن