تتوزع مشاهد الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين والعسكريين في الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، وتتوزع معها مشاهد الدماء المراقة وتناثر جثث الضحايا في الأماكن المستهدفة في الوقت الذي لا تزال فيه بعض القوى المستثمرة في الإرهاب تمتنع عن تصنيف تنظيمات إرهابية ووضعها في قائمة التنظيمات الواجب محاربتها.
هذا التوزيع اللافت للإرهاب لا يمكن أن يكون توزيعًا عشوائيًّا بالنظر إلى طبيعة المكان أو الدولة المستهدفة دون أن تقف وراءها أجهزة استخبارات لها خبرة طويلة في إنتاج الإرهاب وصناعة تنظيماته وبناء علاقات عضوية معها، وبعد أن تكون قد حددت الأهداف التي تريد إنجازها من تحريك بوصلة هذه التنظيمات لتضرب وتوقع أكبر قدر من المدنيين أو العسكريين أو تضرب مؤسسات مصرفية أو أمنية أو عسكرية.
وفي ظل هذا المعطى الثابت، يبدو النجاح لافتًا وباهرًا للقوى المستثمرة في إرهاب تنظيمي «داعش والنصرة» اللذين أنتجتهما وأعدَّت عليهما خططها الاستراتيجية ذات الأبعاد الاستعمارية والتدميرية، إلى جانب التنظيمات الإرهابية الرديفة المموهة بمسميات «معتدلة» وهي مسميات كاذبة وبعيدة كل البُعد عن الواقع والعمليات الإرهابية التي تقوم بها ضد المدنيين، لتبدو هذه المسميات في حقيقتها أنها بمثابة «حبل سري» لتغذية هذين التنظيمين بالمال والسلاح والأفراد، حيث دأبت التمثيليات والمسرحيات الهزلية والمستخفة بعقول العامة إلى محاولة التعمية بأن هذه التنظيمات الرديفة لتنظيمي «داعش والنصرة» هي «معارضة معتدلة» لأجل أن تستر هذه القوى المنتجة والداعمة للإرهاب دورها وعلاقتها بتنظيماته، لكي تبرر دعمها وتضفي الشرعية على ما أنتجته من إرهاب، ولتستر أياديها الملطخة بدماء الأبرياء، ولكي تدعم عبر ما تسميها زورًا «معارضة معتدلة» تنظيمي «داعش النصرة» الإرهابيين.
ولذلك ليس مفاجئًا أن يُستهدف المدنيون الأبرياء في سوريا يوميًّا، وفي لبنان كما حصل مؤخرًا في بلدة القاع على سبيل المثال، وفي العراق حيث استهدف تفجير إرهابي ضخم منطقة الكرادة وسط بغداد في وقت السحور موقعًا أكثر من ثلاثمئة عراقي بين قتيل وجريح، وفي تونس ومصر وليبيا والصومال، وفي نيجيريا وبنجلاديش وباكستان وتركيا وغيرها، ذلك أن هذه الاستهدافات بقدر ما تهدف إلى إيقاع الضرر والإيذاء بقدر ما تهدف إلى تحقيق الأهداف الموضوعة من عملية التخطيط والاستهداف، وتحريك التنظيمات الإرهابية وتوجيهها نحو الهدف. وكما هو معروف أن الأهداف المراد تحقيقها متعددة؛ إما أن تكون متعلقة بقضايا الطاقة كالنفط والغاز، وإما أن تكون متعلقة بقضايا سياسيو كما هو الحال العراق وسوريا وليبيا وبقية الدول العربية المستهدفة والاتجاه نحو إسقاط حكوماتها، والإتيان بحكومات موالية للغرب المتصهين، إلى جانب البُعد الاستراتيجي المتمثل في إحكام السيطرة والهيمنة والتبعية المطلقة.
ومن يتابع النتائج المترتبة على الاستثمار في إرهاب «داعش والنصرة» والتنظيمات الرديفة، لا بد له وأن يقف على المستوى الأخلاقي المنحط الذي وصلت إليه هذه القوى المنتجة والداعمة للإرهاب والمستثمرة فيه، وأن لا قيمة للإنسان ولا اعتبار لحياته في أبجديات سياسات هذه القوى، بل إن الإنسان وحياته يجب أن يكونا وقودًا وسبيلًا لما تريد تحقيقه هذه القوى من أهداف؛ ولذلك التصعيد الذي تقوم به التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش والنصرة» بعد العمليات النوعية التي يقوم بها الجيشان السوري والعراقي ضد هذه التنظيمات الإرهابية، ليس تصعيدًا من قبل التنظيمات وحدها، وإنما هو تصعيد مشترك من قبلها ومنتجيها وداعميها وذلك خوفًا من ضياع المشاريع والأهداف المرادة من وراء إنتاج هذه التنظيمات والاستثمار فيها، وبالتالي كل ما تعلنه القوى الغربية والإقليمية بقيادة الولايات المتحدة عن خطط وتحالفات لمكافحة الإرهاب يكذبه الواقع، وتكذبه مشاهد دماء الأبرياء المراقة في الأزقة والشوارع والمنازل ومشاهد تناثر الجثث والمنازل المهدمة والمزارع المحروقة، ومحطات الكهرباء المدمرة والمفككة إلى خردة وكذلك آلات المصانع وغيرها.