الامتعاض الذي عبَّرت عنه أطراف في السلطة الوطنية الفلسطينية حول ما صرح به السفير الأميركي توماس فريدمان لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي من تأييد مطلق للسياسة الإسرائيلية تجاه ما تفعله من جرائم نهب وسرقة لحقوق الشعب الفلسطيني، لا يعكس فقط حقيقة السياسة الأميركية المدافعة والداعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي في كل جرائم حربه التي يرتكبها، وإنما أيضًا يعبِّر بصورة واضحة عن مدى ما استبد بالجانب الفلسطيني الرسمي من يأس، حيث أصبح غير قادر على إحداث التغيير في المواقف السياسية الأميركية والإسرائيلية وحتى الدولية ولو كلامًا، فضلًا عن عدم القدرة على إحداث التغيير على أرض الواقع في الداخل الفلسطيني.
مشكلة الموقف الفلسطيني أنه لا يزال يراهن على دور نزيه لمن لا يزال يراه وسيطًا وراعيًا نزيهًا لعملية التفاوض، وفي إقامة قواعد العدل والسلام بين الفلسطينيين والعرب أيضًا وبين كيان الاحتلال الإسرائيلي، وطبعًا نعني بهذا الوسيط والراعي الولايات المتحدة، رغم أن واشنطن وفي ظل الإدارة الجمهورية الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب أعربت عن مواقفها الرسمية بصراحة مطلقة ودون أدنى مواربة أنها مع سياسات كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ حليفها الاستراتيجي في المنطقة، كما أن ترامب ذاته كان واضحًا وضوحًا لا يقبل اللبس قبل انتخابه وأثناء حملته الانتخابية في مواقفه من كيان الاحتلال الإسرائيلي، وعبَّر عن غضبه الشديد من عدم استخدام إدارة سلفه الديمقراطي باراك أوباما الفيتو في مجلس الأمن الدولي على القرار الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي، وللتأكيد على سياسته هذه، كانت رغبته واضحة بنقل السفار الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وكذلك تعيينه توماس فريدمان ذوي الأصول الصهيونية والمدافع عن السياسات الاحتلالية الإسرائيلية والمؤيد لها، وتعيينه أيضًا جيسي جرينبلت موفدًا لـ”عملية السلام”، وهذا الأخير لا يقل انتماء وولاء لكيان الاحتلال الإسرائيلي ودفاعًا ودعمًا لسياسة الاستيطان والتهويد.
لا ندري هل هذه الإشارات التقطها الفلسطينيون الرسميون واستوعبوها؟ أم أنهم يعلمون ذلك، ولكن في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية والتحول النوعي غير المسبوق تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي وممالأته، والرغبة العارمة للتطبيع المجاني، باتوا لا يملكون خيارات أو خلوا من أي عكاز يسندهم كما كان في الماضي، وبالتالي فضلوا البقاء والدوران في حلقة ما سمي برؤية “حل الدولتين” الأوبامية، رغم أن هذه الأخيرة تبدو في الأبجديات السياسية، سواء لإدارة دونالد ترامب أو لحكومة الاحتلال الإسرائيلي من الماضي، وأنها جاءت في زمنها وأدت رسالتها وحققت أهدافها التي بها سُوِّقت صورة الولايات المتحدة وجُمِّلت في نظر وذهن المستهدفين؟
ما ينبغي أن يعرفه الفلسطينيون أن ليس هناك حماس أميركي ولا حتى إسرائيلي في السير نحو رؤية الرئيس السابق باراك أوباما وهي “حل الدولتين”، فهذه الرؤية لم ولن تخرج عن الأهداف والدواعي والمبررات لخطة “خارطة الطريق” التي أعلنها الرئيس الأسبق جورج بوش “الصغير”؛ لذلك سيستمر اللعب والعزف على وتر العواطف الفلسطينية بمسميات وشعارات لا تخدم القضية الفلسطينية، بل تهدف إلى تصفيتها، وبالتالي ستستمر سياسة النهب والسرقة بالاستيطان الاستعماري والتهويد وفق سياقاتها وعناوينها المعروفة، وهذا ما يجب أن ينتبه إليه الفلسطينيون جميعًا (رسميون وغير رسميين). وأن يأخذوا على محمل الجد ما صرح به فريدمان في مقابلة مع موقع “والا” الإخباري الإسرائيلي، وأن يكون ناقوس خطر يدق أبواب قضيتهم، فقد زعم فريدمان في المقابلة “كان من المفترض دائمًا أن يكون هناك فكرة للتوسع في الضفة الغربية، ولكن ليس بالضرورة التوسع في كامل الضفة الغربية، وأعتقد أن هذا هو بالضبط ما فعلته “إسرائيل”، وأعني أنهم يحتلون 2% فقط من الضفة الغربية”.
فمن الواضح أن هذا التصريح يحمل في طياته نيات خبيثة بنهب الضفة الغربية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن