لم يمضِ وقت طويل على تسريبات ويكيليكس لإحدى رسائل المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ـ التي تدعو فيها إلى هدم سوريا لخدمة حليف بلادها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي ـ وبين تصريحات رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان التي عبَّر فيها عن عدم تفاؤله بشأن مستقبل سوريا قائلًا: «لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سوريا موحدة مرة أخرى».
وبعيدًا عن الفارق الزمني قصيرًا كان أو طويلًا، وأيًّا كانت مناسبة إطلاق هذه التصريحات، إلا أنها تمثل انكشافًا حقيقيًّا ودليلًا إضافيًّا على أن مخطط تدمير سوريا لا يزال يحتل الأولوية في قائمة تدمير الدول المستهدفة، وموضوعًا على طاولة البيت الأبيض وطاولة الكونجرس الأميركي، وهدفًا تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه مثلما فعلت بالعراق وليبيا، خدمة لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ ولذلك لم يكن تنظيم «داعش» الإرهابي والمشتقات الأخرى للقاعدة (التنظيم الأُم) والمصنفة أميركيًّا بـ»المعتدلة» سوى حلقة من حلقات التآمر على سوريا لتدميرها الذي يجري في خطين متوازيين ومتزامنين، الأول: الادعاء بمحاربة «داعش» التي يتوالى تحت مظلة هذه الدعاية استهداف المدنيين وعلى دفعات متتالية، كما يحدث الآن في منبج بريف حلب، حيث وقع مئات المدنيين ضحايا بين قتيل وجريح جراء هجمات غاشمة نفذها التحالف الستيني تحت غطاء استهداف تنظيم «داعش»، في حين يستفيد التنظيم الإرهابي من هذه الهجمات وتحت الغطاء الجوي العسكري للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في توسعه، حيث الأنباء تشير إلى أن «داعش» استطاع السيطرة على أحياء وقرى في منبج، بينما المفترض عقلًا ومنطقًا وواقعًا أن التنظيم ينحسر وينكسر في مناطق انتشاره نتيجة للضربات الموجهة له، غير أن هذه الضربات ـ وللأسف ـ تستهدف المدنيين وتتجنب إرهابيي «داعش»، فضلًا عن الإمدادات التي يتلقاها التنظيم من الأسلحة وبيع النفط الذي يسرقه من سوريا والعراق، وهو ما يطرح علامات استفهام كثيرة من قبيل: هل يمكن لأفراد أن يزودوا تنظيمًا إرهابيًّا كـ»داعش» و»النصرة» وغيرهما بأسلحة متطورة وفتاكة؟ وهل بمقدور أفراد بيع نفط مسروق خارج حدود سوريا والعراق وإيصاله إلى دول أخرى وقبض ثمنه دون علم سلطات دول يمر عبرها هذا التهريب؟
أما الخط الثاني فهو الرهان على المشتقات الأخرى لتنظيم القاعدة الإرهابي والمصنفة أميركيًّا بـ»المعتدلة» في استهداف البنى الأساسية والمدنيين معًا، فهدم الدولة السورية لا يتأتى إلا من خلال هدم وتدمير هذين المكونين (مؤسسات الدولة، والإنسان السوري) وذلك على النحو المشاهد، حيث يتم استهداف محطات الكهرباء والمصافي وخطوط النفط والغاز، وتفكيك المصانع وبيعها خردة في السوق السوداء، وحرق المزارع والصوامع، واستهداف المدنيين إما باتخاذهم دروعًا بشرية أو بإبادتهم انتقامًا منهم لرفضهم التمرد على وطنهم، ونسف منازلهم، وتهجيرهم. ولذلك حين يصرح المسؤولون الأميركيون وهم يواصلون العمل والدعم لهذه الخطين المتوازيين (داعش والتنظيمات الأخرى المسماة زورًا بــ»المعتدلة») إنما ينطلقون من حقيقة مفادها أنهم لا يزالون قادرين على اللعب بعامل الوقت وكسب المزيد منه لدعم هذه التنظيمات الإرهابية، ومستمرين في الرهان عليها في عملية الهدم والتدمير؛ لأن واشنطن ومن معها لو كانت حريصة على الشعب السوري ومساعدته كما تدَّعي، فهناك طرق مثلى لهذه المساعدة وهي الذهاب إلى الحل السياسي منذ الوهلة الأولى وليس المراوغة فيه واتخاذه شماعة ووسيلة لدعم الإرهاب وتدمير البنى الأساسية وإبادة المدنيين، والقفز على الحلول المنطقية والعقلانية إلى حلول مدمرة بدعم التنظيمات الإرهابية والادعاء بأنها «معارضة معتدلة»، فكيف يمكن لشيشاني وباكستاني وأفغاني وصيني ومغاربي وخليجي أن يكون «معارضة سورية معتدلة»؟ وما دخل هؤلاء جميعًا بسوريا وشعبها؟ وأي عقل ومنطق يقبل بأن يوصف هؤلاء بأنهم معارضون سوريون؟ ألا يدل كل ذلك على أنه جرى ويجري جلب الإرهابيين والمرتزقة والتكفيريين من بقاع العالم إلى سوريا لأجل تدميرها وهدمها؟
هذه هي الحقيقة التي تلعب الولايات المتحدة عليها في سوريا، وأكدها مسؤولوها مرارًا وتكرارًا وفي أكثر من مناسبة، وهي تدمير سوريا لخدمة كيان الاحتلال الإسرائيلي. ■