القطاعات الإنتاجية ينظر إليها على أنها هي العصب الحيوي للاقتصاد، وهي المقياس الذي يمكن أن يقاس به نمو الاقتصاد من عدمه، ولما كانت كذلك، فإن أي قطاع إنتاجي تظل له شرايينه الخاصة التي تتكامل مع شرايين بقية القطاعات وهكذا، لذلك لا يمكن أن تختلف النظرة أو تتباعد تجاه هذه القطاعات مجتمعة، لا سيما وأنها جميعها تمثل أهمية، سواء بالنسبة للبلاد أو للأفراد.
ولما كانت الصناعات الحديثة في كافة المجالات تقريبًا ترتبط على نحو أو آخر بالتراث الحرفي المنقول من الأجداد والمتوارث بين الأجيال، فإن الاهتمام بالقطاع الحرفي يجب أن يأخذ مداه، وأبعاده الوطنية، وهذا ما تمثل في الرؤية السامية والمستنيرة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ التي نتج عنها المرسوم السامي رقم (24/2003) بإنشاء الهيئة العامة للصناعات الحرفية، وهي رؤية أطلقت العنان والطاقات والإمكانات لاستعادة القطاع الحرفي حيويته ونشاطه، ليحتل مكانته الخاصة من خلال إعطاء الصناعات الحرفية زخمها وفق أساليب وفنون مستوحاة من روح العصر مواكبة للتجديد وبما لا يخل بجوهرها، وكذلك هي رؤية ثاقبة ودالة على ارتباط جلالته الوثيق بجذور الحضارة الحديثة، تلك الجذور الممتدة إلى حضاراتنا القديمة امتدادًا قوي الأواصر.
إن النشاط البارز المتنوع الذي يتبدى على صفحات التراث والصناعات الحرفية التي تزخر بها بلادنا، من خلال تلك المفردات الجمالية واللمسات الأخاذة التي رسمتها الأنامل العمانية المبدعة على الحرف الخزفية والنحاسية والسعفية والمصوغات الفضية، يعكس عمق ارتباط الإنسان العماني بأصوله وجذوره الممتدة، ويعبِّر عن ما يتمتع به من احترام وتقدير واعتزاز للنشاط الحرفي من حيث إنه مصدر للدخل، يحفظ به كرامته ويحقق به متطلباته، ويكفل له حياة معيشية كريمة، ومن حيث إنه صون للهوية الوطنية وحفاظ على الموروث الحضاري، وعلى ما خلفه الأجداد من إرث حضاري وتاريخي يعكس مكانة عُمان ودورها، وحركة التأثير والإنتاج التي قادها الإنسان العماني بفكره وساعده.
ولا ريب أن الحرفي العماني وكل عماني، يعتز بهويته وبتراث أجداده، لا يعمل على الحفاظ عليهما فحسب، وإنما يتطلع إلى تطوير ما يحترفه من مشغولات يدوية وصناعات حرفية لتصبح صناعة آلية تجد مخرجاتها طريقها إلى أسواق الخارج والداخل على نطاق أوسع. وهنا يأتي دور الهيئة العامة للصناعات الحرفية التي أخذت على عاتقها ما أنيط إليها من مسؤوليات ومهام، والعمل على إحداث نهضة حرفية كبيرة تتضافر فيها جهود الدولة بأجهزتها المعنية مع جهود المجتمع المدني.
وتعد البرامج التدريبية إحدى المهام الأساسية التي تضطلع بها الهيئة لتطوير الصناعات الحرفية، وفي هذا الصدد يأتي تنفيذ مشروع البرنامج التأهيلي في محافظة جنوب الشرقية والذي سيستمر على مدى ثلاثة أشهر في إطار حرص الهيئة العامة للصناعات الحرفية على تنمية القطاع الحرفي مؤسسيًّا وإرفاده بأيدٍ وطنية من الشباب، بالإضافة إلى الحفاظ على استمرارية حرفة صياغة المشغولات الفضية وصناعة الخناجر العمانية بمختلف أنواعها، مع السعي نحو تطوير الصناعات الفضية وفق الضوابط والمواصفات العمانية المعتمدة، كما يعمل البرنامج التأهيلي على استقطاب الحرفيين من الجيل الشاب لتعلم معارف ومهارات حرفة صناعة الخناجر بهدف تنمية حرفة الفضيات محليًّا، وتأهيل الحرفيين على التعامل مع المعدات والآلات المطورة في صياغة المشغولات الفضية، مع الحرص على تطوير وابتكار منتجات حرفية تحمل الهوية الوطنية. وقد قامت دائرة الصناعات الحرفية بجنوب الشرقية بتصميم البرنامج التأهيلي ليتناسب مع المهارات الابتكارية والإنتاجية للحرفيين بمختلف الصناعات الفضية وأنواع الخناجر العمانية من خلال تزويد المتدربين بالأجهزة والمعدات والآلات الحديثة المتخصصة في تطوير صياغة المشغولات الفضية وصناعة الخناجر، كما حرصت الدائرة على أن تكون كافة الخبرات التي تشرف على تدريب الحرفيين من الخبرات الوطنية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن