يبدو أن أولئك الذين خرقوا الأعراف والقوانين ونظم التعايش الإنساني والتفوا على أسباب الاستقرار والسلم والأمن الدولي في لحظة زمن فارقة وغادرة، ببذر بذور الإرهاب ورعايته ونشر أشجاره الشيطانية المدمرة في ربوع العالم وخاصة في منطقتنا، يبدو أنهم غير عازمين على التخلي عن هذا الخيار المخالف، وغير قادرين على العيش دون أزمات أو حروب أو نشر مظاهر الفوضى والخوف سواء بشكل مباشر أو بالوكالة، معتقدين أن مثل هذه السياسة يمكن أن تضمن لهم مصالحهم على الدوام.
وبدلًا من اتباع الوسائل السياسية والدبلوماسية وإقامة جسور العلاقات وجعلها خط دفاع أول لحماية المصالح اختار أصحابها وسائل تقويض الاستقرار والأمن ببث شرور الفتن والمؤامرات والتحريض بين الشعوب وبين مكونات الشعب الواحد بهدف تمزيق دولته والاستيلاء على مقدراتها وثرواتها أو تقسيمها إلى أقاليم لصالح أطراف أخرى، على النحو الذي نراه الآن في المنطقة حيث تواصل السياسة الغربية الاستعمارية العبث بأمن المنطقة واستقرارها وتمزيق دولها وتحويلها إلى كيانات طائفية متناحرة لأجل تمكين كيان الاحتلال الإسرائيلي وتنصيبه شرطيًّا عليها، وكذلك من منظور الرؤية الضيقة للقوى الغربية أن هذا الكيان الغاصب هو الأقدر على حفظ مصالحها، ومن منطلق أن تمكينه في المنطقة سيطيل بقاءها وبقاء مصالحها، بحيث تكتفي تلك القوى الغربية الحليفة له بدعمه سياسيًّا ودبلوماسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، والعمل على تقليم أظافر أي قوة عربية أو إقليمية يمكن أن تكون موازية لقوته العسكرية أو مهددة لبقائه في المنطقة.
ووفقًا لهذا التقدير، يمكن الرؤية إلى راهن الأحداث في المنطقة بشيء من الواقعية والموضوعية بعيدًا عن المزايدات والمغالطات في استنتاج حقيقة الدور العبثي الذي تقوم به القوى الغربية ضد البلدان والشعوب العربية، والذي يتمثل في دعم أبرز تيارين إرهابيين يهددان أمن المنطقة واستقرارها، الأول الذي تقوده العصابات المتخذة من الإسلام ستارًا وقد وقف العالم بأسره على إعلانات الدعم المالي والعسكري المتوالية لتلك العصابات وخاصة في سوريا تحت شعار دعم “المعارضة المعتدلة”. والثاني دعم إرهاب الدولة الذي يمارسه صباح مساء كيان الاحتلال الإسرائيلي ليس ضد الشعب الفلسطيني وحده، وإنما ضد شعوب المنطقة بأسرها، وقد أثبتت جميع الوقائع أنه إما يقف مباشرة وراء أي عدوان أو مؤامرة أو يتولى قيادة العدوان والمؤامرة من الصفوف الخلفية.
ولذلك ما يعلنه الساسة الغربيون المتلطخة أيديهم بدماء الشعوب العربية من تحذيرات من احتمالات حدوث هجمات إرهابية في بلدانهم، لسنا مجبرين على القطع بصحته، كما أنه وبغض النظر عن صحته من عدمه، شأن يخص الدول الغربية المعلنة، وموجَّه بالدرجة الأولى إلى شعوبها لأسباب ترجع إلى سياسة ساستها إما لتغطية أدوارهم في دعم الإرهاب أو لتمرير مزيد من الدعم المالي وصفقات السلاح للعصابات الإرهابية.