ما خلصت إليه لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة خلال مسيرات العودة السلمية قرب حدود قطاع غزة من أن ما ارتكبه كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق المتظاهرين السلميين يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يعطي صورة واضحة عن الحقيقة التي يحاول كيان الاحتلال الإسرائيلي ـ وبدعم لافت من حلفائه الاستراتيجيين ومواليه وأتباعه ـ إخفاءها عن أعين العالم، بل إن ما توصل إليه تقرير اللجنة من حقائق مفزعة عن صور التوحش ووسائل الإجرام والإرهاب والعنصرية لجنود الاحتلال الإسرائيلي هو غيض من فيض سلسلة طويلة من جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية منذ اغتصاب فلسطين وقيام هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب على أنقاضها وحتى اليوم.
إن هذا التقرير الأممي استند إلى أدلة دامغة ومؤكدة وواقعية وعلى الأرض، وبعيدًا عن العواطف وعن السرد الإنشائي، ويوثق مرحلة من مراحل جرائم الحرب والانتهاكات والممارسات العنصرية الإسرائيلية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما دفع المحققين ومعدِّي التقرير إلى تأكيد أنه “ما من شيء يبرر إطلاق “إسرائيل” الرصاص الحي على المتظاهرين”. وأن “اللجنة ترى أن هناك أسبابًا معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن الجنود الإسرائيليين ارتكبوا انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان خلال مظاهرات مسيرة العودة الكبرى”.
ومن بين الشواهد والأدلة التي استند إليها التقرير إطلاق “قناصة الجيش (الإسرائيلي) النار على أكثر من ستة آلاف متظاهر أعزل، على مدى أسابيع متتالية في مواقع الاحتجاجات على امتداد السياج الفاصل”، حيث بلغ عدد الشهداء والضحايا الفلسطينيين خلال الفترة التي شملها التحقيق الممتدة من بداية الاحتجاجات وحتى الـ31 من ديسمبر 2018، والذين اغتيلوا خلال التظاهرات بلغوا 189 شهيدًا. ومن بين ما خلصت إليه اللجنة أيضًا أن “قوات الأمن الإسرائيلية (قتلت) 183 من هؤلاء المتظاهرين بالرصاص الحي، من بينهم خمسة وثلاثون طفلًا، وثلاثة مسعفين وصحفيان يرتدي خمستهم (الصحافيون والمسعفون) زيًّا واضح الدلالة”.
التقرير الذي رحبت به أوساط عدة منها أوساط فلسطينية وأوروبية يمثل أرضية مناسبة للبناء عليها من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية في إطار جهودها التي تبذلها لمنع جرائم الحرب الإسرائيلية وجميع أشكال الانتهاك والعنصرية والتهجير والتشريد والاستيطان الاستعماري وتدنيس المقدسات، ومنع انتهاك المسجد الأقصى، وعدم المساس به وبالمدينة المحتلة وانتهاك حقوق الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، وغيرها من الجرائم التي تطول أبناء الشعب الفلسطيني. فالتقرير يتيح للسلطة الفلسطينية الفرصة للتحرك مجددًا عبر المحاكم الدولية وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية، وجميع المنظمات الدولية ذات العلاقة، لمحاسبة كيان الاحتلال الإسرائيلي على هذه الجرائم، ووضع حد لها، ومنعه من الاستفراد بالشعب الفلسطيني وبحقوقه والتنمر عليها، لذلك لا بد أن يكون التقرير رافعة للجهود الفلسطينية، وأن يوضع في مكانه القانوني والشرعي ليكون رسالة قوية ورادعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه ومواليه المنافحين عنه وعن جرائمه. فمن الأهمية بمكان التحرك السريع لاستثمار التقرير الأممي هذا.
المصدر: اخبار جريدة الوطن