تتعدد التصريحات المتفائلة بشأن اقتراب حدوث انفراجة في جدار الأزمة السورية المستمرة منذ خمس سنوات، سواء كانت هذه التصريحات صادرة عن حلفاء لسوريا لا يزالون يبذلون كل جهد ممكن ومخلص لإنقاذها أو صادرة عن أعداء ساموها صنوف النكال والإرهاب ومستمرين في هذه الوظيفة والدور. وعلى الرغم من أن تسوية الأزمة السورية هي مصلحة سورية وعربية وإقليمية ودولية، فإن الأفق لا يزال معبَّأً بمتاريس العرقلة والتعطيل لهذه التسوية ومنعها من أن تأخذ طرقها السلمية والسياسية الصحيحة والمرتكزة على أسس المنطق والموضوعية وصوت العقل.
وفي مقابلة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وكالة بلومبيرج نشرت أمس الأول قال بوتين إنه لا يستبعد أن تعلن موسكو وواشنطن قريبًا عن التوصل إلى اتفاق بشأن تسوية الأزمة في سوريا، واصفًا المحادثات بأنها «صعبة جدًّا». ولا ريب أن منشأ الصعوبة هنا يتوقف على عوامل عدة من بينها موقف الولايات المتحدة ذاتها من ملف الأزمة السورية ومجملها، ذلك أن تحركها في ثنايا هذا الملف، ومحاولة التغلغل في تفاصيله وسعيها المحموم للإمساك بها، والانفراد بإدارته هو أول هذه العوامل، وثانيها تحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة بينها وبين حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، وثالثها خططها الساعية إلى تغيير بنية الدولة السورية بما فيها الجيش العربي السوري وعقيدته، وفك ارتباط سوريا بمحور المقاومة وتخليها عن دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وفك ارتباطها بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وغيرها من العوامل، وبالتالي تتحرك واشنطن في ضوء هذه العوامل مجتمعة أو منفردة؛ ولذلك وفي ظل صمود الدولة السورية (شعبًا وجيشًا وقيادةً) ومقاومتها لمؤامرة تحقيق هذه العوامل الصهيو ـ أميركية مدعومة في مقاومتها هذه من قبل الحلفاء المخلصين، لا تزال واشنطن تراهن على ما أنتجته ورعته ودعمته من إرهاب بدعم من قوى إقليمية وغربية معروفة بتاريخها في إنتاج وصناعة الإرهاب ورعايته، في تحقيق هذه العوامل. ولعل الصعوبة التي أكد عليها الرئيس بوتين تكمن في المماطلة والمناورة والمراوغة الأميركية وذلك بعدم رغبة الولايات المتحدة في التخلي عن التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها ما يسمى «جبهة النصرة»، وإثبات مصداقية بدعتها المتمثلة في «المعارضة المعتدلة» وفصلها عن «المعارضة المتطرفة»؛ أي فصل الإرهاب المعتدل عن الإرهاب المتطرف وفق هذه البدعة الأميركية. فهناك انزعاج روسي كبير من المماطلة الأميركية حيال ذلك، حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الحوار الروسي ـ الأميركي حول مكافحة الإرهاب يتركز على فصل «المعارضة» عن الإرهابيين في سوريا، لافتةً إلى أن المماطلة في هذا الفصل تثير أسئلة كثيرة وحتى شبهات لدى الجانب الروسي. وحسب إيليا روجاتشوف مدير قسم التحديات والأخطار الجديدة التابع للخارجية الروسية في حديث لوكالة نوفوستي الروسية أمس الأول فإن «الجانب الأميركي وعد منذ زمن طويل بفصل ما يسمى «المعارضة المعتدلة» عن تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي في شمال سوريا إلا أن عملية الفصل هذه لا تزال تتعثر»، موضحًا بهذا الصدد أن «واشنطن لا تزال توجه أسئلة إلى موسكو بهذا الشأن وتعترض على توجيه القوات الجوية الروسية ضربات إلى مواقع تابعة للمعارضة المعتدلة».
أما على الجانب الآخر من التصريحات الصادرة حول الأزمة السورية فقد قال بن علي يلدريم رئيس الوزراء التركي إن أنقرة مثلما طبعت العلاقات مع روسيا و»إسرائيل» مستعدة لتطبيعها في المستقبل مع سوريا ومصر. ومثل هذه التصريحات عند أخذها بصورتها الظاهرية تشي أن تركيا ـ أردوغان مقبلة على انعطافة سياسية قوامها إصلاح ما أفسدته من علاقات، والمباشرة بملء رصيدها الذي أصبح صفر علاقات، وإفراغ خزينتها من ملايين مشاكل وأزمات وعداوات. لكن عند مقارنتها مع الواقع وعلى الأرض السورية سنجد أنها بحاجة إلى قرائن وأدلة عملية، فالعدوان التركي على سوريا واجتياح أرتال الدبابات والمدرعات التركية التي تحمل على ظهورها تنظيمات إرهابية لتحلها محل تنظيم «داعش» في مدينة جرابلس وغيرها من المدن ولتحلها محل المكون الكردي، إلى جانب الأهداف التي تختفي وراء هذا العدوان وأسبابه، ينفي نفيًا قاطعًا إرادة التطبيع مع سوريا وحقيقته، فضلًا عن أن التطبيع الذي أعلنه يلدريم مقرون بزمن وهو المستقبل، وبالتالي هذا المستقبل غير معروف هل هو مقصود به في ظل الحكومة السورية الحالية والرئيس السوري الحالي بشار الأسد؟ أم المقصود بعد رحيل هؤلاء، كما عملت عليه وتتمنى أنقرة تحقيقه؟ .