الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالثقافة والفنون والآداب يجسد أهمية هذه العلوم الإنسانية في تشكيل العقل ونمو الوعي بواقع العصر وتطوراته، فمسيرة الاهتمام السامي ـ انطلاقًا من هذه الأهمية ـ لم تتوقف عن مسايرة هذه الأضلاع الثلاثة (الثقافة والفنون والآداب)، حيث توالت مفردات هذا الاهتمام على صفحات المشهد الثقافي والفني والأدبي داخل السلطنة وخارجها من خلال إنشاء أقسام عديدة لدراسة الثقافة العربية في عدة جامعات عالمية، وكذلك الاحتفاء برواد الأدب والفكر من العرب والمبدعين، وإنشاء كراسي تحمل اسم جلالته في مختلف الجامعات العالمية، لتحط مسيرة الاهتمام السامي بالثقافة والفنون والآداب رحالها عند تخصيص جلالته ـ أيده الله ـ جائزة تحمل اسمه “جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب” لتعكس تقديره الخاص للعقول والفكر التي تضطلع بمهامها في قيادة مسيرة التنوير الفكري وتعميق الهوية الوطنية، وتحشد الطاقات الخلاقة والمنتجة، وتكون القاطرة الواعية التي تقود أي مجتمع نحو التنوير والتطور الفكري والعقلي على نحو يحفز إلى التطور المادي ونشوء حركات النهضة والازدهار الحضاري.
ولأن الطريق لا يزال يتحضر لاستيعاب المزيد من تراكم الإنجازات والمكتسبات الموقعة بإرادة عمانية بامتياز، فإن التوقف عند محطتها الثقافية اليوم هو أمر يفرضه حدثها السنوي الكبير المتمثل في جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب التي جاءت في دورتها الخامسة لتضع وسامها على صدر المسيرة الثقافية اعترافًا بدورها وبدور القامات الثقافية والأدبية والفنية التي أبدعت ورفدت الوسط الثقافي بالجديد، وتقود حركة تنويرية في الحياة المعاصرة، فكانت بمثابة العين التي ترصد حركة الأشياء، سواء داخل السلطنة أو خارجها، لتعطي كل قلم مثقف ومبدع ومحرِّك لكوامن النفس وراصد أمين لدقائق الحياة وتفاصيلها قيمته، وتسلط عليه الضوء احترامًا وتقديرًا له على مجهوداته الكبيرة التي أمضاها وأضناها في سبيل ربط الناس بواقع حياتهم ومجتمعهم، وتذكير الأجيال الحاضرة والمستقبلة بماضي أجدادهم وآبائهم وربطهم من خلال وجبات على شكل روايات أو فنون أو آداب.
الجائزة شملت هذا العام ثلاثة مجالات مخصصة للعمانيين فقط وهي: مجالات الترجمة والرواية والفنون الشعبية العمانية، عكست التجديد والتنوع، والحرص على نيل شرف الفوز بالجائزة المقترن بالحرص على إثراء الواقع الثقافي والفني والأدبي وإضافة رصيد معرفي إليه، ليعبِّر عن حالة طبيعية متطورة لتجربة إبداعية عمانية في مجال الترجمة الذي تنافست فيه أعمال متنوعة بلغت 12 عملًا مترجمًا عكست حالة الثراء المعرفي للمبدعين في تلقيهم للأدب من خارج النطاق العربي، وقدرتهم على تمكين هذا الثراء عبر اللغة العربية الأُم التي استطاعت بمعاييرها إيصال هذا الصوت في أعمال مترجمة قدمت أسماء متحققة في المجال، تسعى لأن تحظى بالثقة عبر مشاركتها هنا، وتستلهم نجاح الآخرين ليكون دافعًا لها في أعمال مترجمة أكثر عمقًا في تجربتها عبر الوقت القادم. كما أكد مجال “الرواية” حيث تنافس 32 نصًّا لمبدعين من السلطنة سعي التجربة العمانية الروائية لأن تكون في مصاف متقدمة أمام غزارة الإنتاج العربي، ولتقدم هي الأخرى تجربة عمانية مغايرة في طرحها للعمل الروائي. أما مجال الفنون، وفوز فنَّي “الرزحة والعازي” من الفنون الشعبية العمانية المغناة، حيث تنافست 17 عملًا فنيًّا، أرادت الجائزة من خلاله التأكيد على هذه الفنون باعتبارها جزءًا من الثقافة والهوية العمانية، وتجسد الروح الحضارية التي يتسم بها أي فن عماني مارسه الأجداد.
إن هذا التكريم المتزامن مع احتفالات البلاد بالعيد الوطني السادس والأربعين المجيد يؤكد شمولية رعاية النهضة المباركة للمبدعين من أبناء هذا الوطن المجيد ولهو التفاتة مبجلة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم، واحتفاء كريم بالعقول والفكر والأقلام المبدعة.