سيظل يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 أكبر من ذاكرة مفتوحة للعبرة وأكثر منها للتأمل .. فما حصل في ذاك اليوم كان تمهيدًا لمؤامرة كبرى على الأمة ممثلة بالعراق، بتحطيم قطر عربي ذي شأن، ومن ثم تهديد ما حوله بالكارثة التي حصلت لاحقًا والتي نعيش اليوم مشاهدها المثيرة.
كانت دلائل ذاك اليوم تشير إلى لعبة خبيثة نفذها مرجفون في الأرض في الولايات المتحدة من أجل وضع العالم العربي والإسلامي تحديدًا أمام تهديد خطر حقيقي .. وحين أسقطت أفغانستان، كانت الأنظار تتجه إلى العراق باعتباره الخطوة التالية، ولقد صار بالفعل أن احتله الأميركي بعد اجتياح مدروس أدى إلى فرط جيشه ومؤسساته الوطنية، لكن الأمر تجاوز العراق بعدما حضر الأميركي، أي الإسرائيلي أيضًا، في قلب الأمة، فصارت سوريا الأقرب إلى ترجمة التهديد لها، وصار لبنان أيضًا، بل تحولت قضية فلسطين إلى مجرد صوت صارخ لا صدى .. وباختصار اختل العالم العربي، بعدما صار الجندي الأميركي في قلب بغداد، والذين قرأوا الواقع الجديد والصورة وما خلفها، تنبهوا إلى أن الاميركي لم يأتِ آلاف الأميال إلى العراق من أجله فقط، بل لديه أسباب أخرى، سرعان ما ظهرت بعد وقت محدد.
ربما انتبه البعض أيضًا، أن فرط الدولة العربية في العراق وكذلك نظامها وجيشها وأمنها، ليس حدثًا عارضًا، بل هو مقدمة لمسيرة طويلة، بل هي الشكل النموذجي لما سيلي لاحقًا، ولقد اعتدنا في الاستراتيجيات الكبرى أن هنالك دائمًا مقدمات لما سيلي. وحين بدأت تظهر البوادر في تونس وتبعتها مصر ثم الشكل الليبي الذي تضمن حربًا داخلية منذ أول جملة قالها المتظاهرون هناك، أيقنا جميعًا أن المنطقة ذاهبة إلى جحيم، وأن اللعبة ليست تغييرًا، هي مؤامرة متبوعة بكل شكل يخص قطرًا عربيًّا بعينه.
اليوم نتعرف على الحادي عشر من سبتمبر كمفجر لما سمي لاحقًا بـ”الربيع العربي” الذي هو جحيم حقيقي نلمس تفاصيله في أكثر من مكان. وهذا لا يحدث بالمصادفة أو الصدفة المحضة، بل إنه ضمن خطط متتابعة تلعب فيها أجهزة عبر تنسيق محكم، ثم تتحرك الأوساط الجاهزة للدور، وهي مجهزة أيضًا، وتملك كل احتياجاتها اللوجستية والمادية .. ويحدث في سوريا كل ما نتحدث عنه وأكثر.. لعل الحرب على سوريا خير دليل على أن مخطط تفتيت العالم العربي كان جاهزًا بسنوات ربما ما قبل الحادي عشر من سبتمبر أيضًا.
صحيح أن بعض العالم العربي “تغير”، لكنه التغيير الذي قضى على وطن بكامله دون أن نرى إصلاحًا، وإنما هدم الأوطان بكل مؤسساتها وقيمها كدولة ونظام وسلطة. فليست ليبيا اليوم سوى بقايا واقع مهدم وليس فيه شكل دولة، ويعيش العراق أيامه الصعبة بعدما نخرته لعبة الاستعمار الأميركي بولادته الإرهابي “داعش” تأسيسًا على عدم ترك العراق وشأنه .. وها هي سوريا تقاتل بلا هوادة جيوشًا من الإرهاب، بل جملة دول متعددة، فيما تعيش مصر هواجس أمنية لا تحصى، وتكاد تونس أن تتخلص من شرور ولن تتخلص، ويقف الجزائر كالعملاق متربعًا على مجد قائم في وجه تحديات .. لعل العالم العربي يعيش حالة اختبارية قاسية سيظل هنالك من يؤشر إلى أن الحادي عشر من سبتمبر كان نقطة حراك المؤامرة على أمة بأسرها.