الفعاليات الاقتصادية التي تشهدها بلادنا تؤكد أن مستقبل الاستثمار فيها واعد إلى حد كبير. ويعد منتدى (استثمر في عُمان) الذي اختتم أعماله أمس، من أهم الفعاليات الاقتصادية، ذلك أنه يأتي تنظيمه في ظل جملة تطورات تشهدها السلطنة بوجه خاص وذلك بتزامن هذا المنتدى مع انطلاق البرنامج الحكومي للتنويع الاقتصادي “تنفيذ”، وتطورات تشهدها دول العالم بوجه عام من حيث تراجع أسعار النفط وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي العالمي وحالة الركود والانكماش التي تعاني منها الاقتصادات العالمية، الأمر الذي يدفع هذه الدول ومن بينها السلطنة إلى البحث عن مصادر دخل غير مصدر النفط، واستغلال المقومات التي تزخر بها في الاستثمار المحلي والأجنبي، وفي الصناعات التحويلية وغيرها.
وإذا كانت التنمية هي الصورة الحية للاقتصاد ومدى قوته وحجم نمائه، فإن الاقتصاد هو الآخر الصورة الحية والصادقة للسياسة وما تتمتع به من قدر كبير من الحكمة والذكاء في تدبير الأمور وفي بناء الأرضية الصلبة القادرة على حمل أركان اقتصاد قوي ومتين، ذلك لكون السياسة والاقتصاد مفردتين أو نهجين يحددان طبيعة نظام الحكم. وتنظيم مثل هذه المنتديات والفعاليات والبرامج الاقتصادية تعبِّر عن الإدراك السياسي بضرورة التحول الكلي نحو إعداد استراتيجيات اقتصادية طيعة وقابلة للتنفيذ وذات أبعاد تنموية وقادرة على جذب الاستثمارات وعلى المنافسة، وتتوافر معها مقومات النجاح المتمثلة في الترويج والتسهيلات ومنظومة القوانين والتشريعات، والحوافز والتقنيات التي تمكِّن المستثمرين من سرعة التواصل والوصول.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية والتراجع اللافت في النمو جراء تأثرها الحاد بأسعار النفط، باتت الحاجة ماسة إلى إيجاد الوسائل والآليات والاستراتيجيات الكفيلة بالتخلص من البيروقراطية المعرقلة لبيئة الاستثمار وجذب رؤوس الأموال، وبالتالي لا يمكن أن تقابل الثقة التي يبديها المستثمرون الراغبون في الاستفادة من البيئة الاقتصادية والسوق العمانية بحسن النيات والتعبير عن الترحيب، بل يجب أن يصحبها منظومة قوانين وتشريعات محفِّزة ومسهِّلة ومرغِّبة للمستثمرين، فالراغب في الاستثمار لا يهمه نشاط السوق ومستوى الأمن والاستقرار السياسي فحسب، وإنما أيضًا التسهيلات والحوافز المقدمة التي تستكمل جوانب الثقة لديه.
وبالنظر إلى ما تضمنه البيان الختامي للمنتدى الذي نظمته غرفة تجارة وصناعة عُمان بالتعاون مع الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية بمشاركة خليجية وعربية، من تأكيد على قطاعات اقتصادية تمثل بنية استثمارية واعدة ومبشرة بالخير الوفير على المستوى الاقتصادي والمستوى المعيشي والاجتماعي، مثل قطاع السياحة الذي من المخطط له ضمن الاستراتيجية السياحية للسلطنة مضاعفة النشاطات المتصلة بالسياحة من 8 إلى 10 مرات لإيجاد أكثر من 500 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وزيادة مساهمة السياحة من 6 – 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، والتطلع إلى تأسيس 1200 شركة صغيرة ومتوسطة في المجال السياحي خلال فترة تنفيذ الاستراتيجية، وقطاع اللوجستيات والموانئ والمناطق الصناعية والحرة وما يمكن أن تمثله من بنية تحتية صلبة وإمكانية توسيعها ومضاعفة قدرتها التنافسية، وتشجيع إقامة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وقطاعي الزراعة والثروة السمكية وزيادة الإنتاج الزراعي بزيادة المساحة المزروعة، ورفع الإنتاج السمكي بتشجيع الاستزراع، والارتقاء بالطاقات التخزينية للسلع الغذائية الرئيسية وتوسيع الرقعة الجغرافية للمخزون الاستراتيجي، وقطاع التعدين الذي يعد أحد أهم القطاعات الواعدة للاستثمار في ظل المقومات والتقديرات للخامات المعدنية العالية الجدوى، وتطوير كفاءة الخدمات الحكومية وتسهيل الإجراءات للقطاع الخاص، وإعادة النظر بسياسات وقوانين العمل لتصبح أكثر مرونة ومواكبة لمتطلبات الاستثمار والتطوير في مجالي الصناعة والتعدين.
لذا فالحكومة مطالبة بالعمل على تهيئة المناخ المناسب، والمشجع للاستقطاب محليًّا وخارجيًّا، وذلك من خلال توفير حزم من الحوافز والتسهيلات، وإقرار مجموعة من القوانين والتشريعات المنظمة والمحفزة لنمو وازدهار وضمان الاستثمارات، والتي تلتقي وتكتمل مع الموقع الاستراتيجي المتميز لبلادنا، وتوافر البنية الأساسية والموارد الطبيعية والكوادر البشرية الوطنية المؤهلة.
إن المنتدى كان فرصة حقيقية لكافة المستثمرين من داخل السلطنة وخارجها للاطلاع على الفرص الاستثمارية المتاحة حاليًّا والمستقبلية في مختلف القطاعات الاقتصادية بالسلطنة، والسياسات والإجراءات والحوافز التي تقدمها الحكومة، وتبادل الرؤى حول الاستثمارات المحلية والأجنبية، ومناقشة ما يتصل بسياسات التنويع الاقتصادي وقيمتها المضافة على الاقتصاد، وإيجاد فرص العمل، والمناطق الصناعية والمرافئ، والسياسات المالية والنقدية، ومشاريع البنى الأساسية.