يشكل تأهيل الكادر البشري أحد الثوابت التي قامت عليها النهضة المباركة، حيث جاءت الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لتؤكد أن الإنسان العماني هو أساس التنمية ومحورها، فله عائداتها، ومن سواعده نماؤها، لذا حث جلالته ـ أبقاه الله ـ حكومته على الاهتمام المتواصل بإعداد الكادر البشري، ووفر لها في سبيل ذلك جل الدعم، إيمانًا منه بأن الموارد الطبيعية وإن تعاظمت فإنها إلى زوال، ويبقى قدرة الإنسان وعلمه هما المحرك الدائم المتجدد لأي حركة نهضوية في التاريخ، وأن غياب الكوادر الوطنية المدربة أكبر العوائق التي توقف حركة التنمية المستدامة، لذا بدأ بالتعليم وحث على التدريب.
ولعل تلك الخطوات المتواصلة المستمرة في تأهيل وتدريب الكادر الوطني، هي توجه وطني بامتياز، منه تستمد النهضة ديمومتها في 47 عامًا الماضية، لذا فليس من المستغرب، برغم الوضع الاقتصادي الحالي الذي تتأثر به السلطنة والعالم، نجد التصميم العماني على توفير الموارد والاعتمادات المالية لتمويل خطة تدريب وتأهيل الباحثين عن العمل، وذلك خلال الاجتماع الذي عقده مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة أمس الأول، حيث ناقش المجلس الخطة الوطنية لتدريب وتأهيل الباحثين عن عمل والمعدة من الصندوق الوطني للتدريب، وهو ما يرسخ التوجه العماني نحو الاهتمام بالكوادر الوطنية، ويؤكد أن السلطنة ماضية في هذا الطريق، لإدراكها أهميته الوطنية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الأهمية الاجتماعية لهذا التوجه يفوق الجدوى الاقتصادية، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد الباحثين عن عمل حوالي 42 ألف عماني و75 بالمائة من هؤلاء دون 29 عامًا، بالإضافة إلى توصل نتائج مختبر القوى العاملة ضمن البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي إلى أن السلطنة ستشهد تزايدًا في نسبة فئة الشباب، ويقدر عدد الداخلين الجدد لسوق العمل 44 ألفًا سنويًّا حتى عام 2020، وهي أرقام تثبت شعور متخذ القرار العماني بمسؤوليته، نظرًا لما قد يشكله هؤلاء الشباب من قدرات مهدرة إذا أهملت، قد تخلق على المستقبل البعيد ظواهر اجتماعية، نحن في غنى عنها، بالإضافة إلى الإيمان الأكبر بدورها الأساسي في صناعة التنمية المستدامة في مستقبل عماننا الحبيب.
وبرغم تلك الجهود الحكومية إلا أن هذه الخطط الطموحة لن تؤتي أُكلها، إلا بتضافر القطاع الخاص كإحدى أهم الجهات التي تفتح الأبواب على مصراعيها لامتصاص هذه الزيادة المطردة في الباحثين عن عمل، فالحكومة تقوم بواجبها في توفير مصادر تمويل للتدريب والتأهيل، ويبقى على القطاع الخاص الإيمان المطلق بقدرة القوى العاملة الوطنية على التصدي لكافة الوظائف والأعمال، وهو ما يتوافق مع التوجه الحكومي في الاعتماد على شركات ومؤسسات القطاع الخاص لوجود فرص عمل للشباب العُماني من خلال إقامة المشروعات الاستثمارية ذات العائد الاقتصادي.
وتؤكد الأرقام أن القطاع الخاص بدأ في هذا التوجه، حيث تشير الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى ارتفاع عدد العُمانيين العاملين في القطاع الخاص إلى 222 ألف عامل في عام 2016م بزيادة قدرها 13 ألف عامل، ما يعني أن القطاع الخاص قد استطاع استيعاب هذا العدد، وتأمل الحكومة أن يوفر سوق العمل فرص عمل إضافية في حدود 12 إلى 13 ألف فرصة خلال عام 2017، كما أكدت وزارة المالية توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتفعيل دور الصندوق الوطني للتدريب ليتمكن من الدفع بجهود التوظيف في القطاع الخاص، وتمويل برامج التأهيل والتدريب على النحو الذي يضمن جودتها وسرعة تنفيذها.
المصدر: اخبار جريدة الوطن