بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب القوات الأميركية غير الشرعية من الأراضي السورية، يبدو أن هذا القرار أثار حالة من الارتباك ليس على مستوى الإدارة الأميركية ذاتها، وإنما أيضًا على مستوى القوى التابعة للولايات المتحدة والمأتمرة بأوامرها، إضافة إلى حالة الصداع والصراع بين هذه القوى التابعة، حيث لكل منها أهداف وأهواء ونزعات تحاول أن تستفيد منها، وتحاول أن توظف التناقضات وتلعب على التباينات التي صنعها الأميركي في سوريا، وتحديدًا في شمالها وشرق الفرات.
وحالة الارتباك هذه على مستوى الإدارة تتمثل في الخشية من تمكين انسحاب القوات الأميركية غير الشرعية سوريا من مواصلة حربها على الإرهاب، ومراكمة انتصاراتها، وصولًا إلى الانتصار الناجز والكامل، حيث تعلم واشنطن أن الدولة السورية بجيشها العربي المقدام، وبقوة حلفائها المخلصين قادرة على تحقيق نقلة نوعية في الميدان، بتطهير محافظة إدلب من الوجود الإرهابي التكفيري، وإعادة المدن التي راهن الأميركيون على بعض من المكون الكردي في أن تكون نواة لتقسيم سوريا، وذلك من خلال المفاوضات الجادة بين دمشق والأكراد تسمح بعودة الأوضاع إلى ما قبل العام 2011م، وهذا يعني ضياع وخسارة كل ما كرسته الولايات المتحدة من سياسات وأموال ومحسوبيات، وكل ما تمكنت من سلخه وفصله عن وطنه السوري الأم، وغرس الحقد والكراهية والعداء، وترسيخ فكرة الانفصال والتشرذم بزعم الاستقلال ونيل حقوق الحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية، وغيرها من الأباطيل التي حيكت بها المؤامرة الإرهابية على سوريا، وكذلك كل ما صرفته من أموال وعتاد عسكري، وإن كان في أغلبه بتمويل إقليمي.
أما على الجانب الآخر، فلا تبدو حالة الارتباك أقل مما لدى الإدارة الأميركية، فالقوى التي تسعى الولايات المتحدة إلى تثبيت أقدامها نيابة عنها في الأرض السورية والتي تعدها حليفة أو صديقة لها، بين بعضها بعضًا ما صنع الحداد، ولذلك تبدو الجولة المكوكية التي يقوم بها كل من جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، ومايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة تداركًا لحالة الارتباك ومحاولة ترتيب مشهد الانسحاب بما يتوافق مع ما تريده الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي الأوحد ـ كيان الاحتلال الإسرائيلي ـ وكذلك محاولة تفويت فرصة استفادة الدولة السورية من هذا الانسحاب، ومنع جيشها العربي من استكمال انتصاراته، وإنجاز مهمته بتطهير جميع التراب السوري، سواء من رجس الإرهاب، أو من دنس الوجود الأجنبي غير الشرعي؛ لأن تمكن الجيش العربي السوري بالتعاون مع حلفائه من إنجاز النصر الكامل ستكون له دلالاته وهي ولادة سوريا الجديدة القوية الفاعلة المؤثرة في القرار العربي والإقليمي، والتي سيسعى من عاداها وتآمر عليها إلى طلب الصفح منها ومسامحته، وهذا ما لا يوافق في الأصل مخطط استهداف الدولة السورية الهادف إلى تقسيمها إلى كانتونات طائفية، وإضعافها لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، كما أن سوريا القوية المعافاة والفاعلة والمؤثرة ستملك الإمكانات اللازمة لاستعادة الجولان السوري المحتل إسرائيليًّا، لذلك تبدو الجولة المكوكية لكل من بولتون وبومبيو على قدر كبير من الأهمية في نظر الإدارة الأميركية أولًا، وكيان الاحتلال الإسرائيلي ثانيًا، والقوى الإقليمية في المنطقة ثالثًا.
المصدر: اخبار جريدة الوطن