أضحت الجودة في مجال العناية الصحية أحد المترادفات للخدمات الصحية العالمية، ويشكل التعرف على معايير الجودة العالمية عن كثب إحدى أهم الفوائد للتفاعل مع دول العالم، حيث تعد صحة الإنسان إحدى الأولويات التي تحرص عليها الدول عمومًا والسلطنة على وجه الخصوص، فالصحة تمثل مدخلًا حقيقيًّا في نهوض الوطن، فالأمة التي يتسم أبناؤها بالسلامة الصحية، هي الأمم القادرة على النهوض المستدام، والمحافظة على تطورها، فالصحة والتقدم صنوان لا يفترقان، ويأتي الاهتمام الصحي كأحد التوجهات الرئيسية لمساعي التقدم والرقي الوطني، لذا فلا عجب أن يرفع حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ شعار الصحة لكل مواطن، ليكون مرادفًا لرغبة سامية صادقة في التوجه نحو النهضة العمانية المباركة.
ويأتي احتفال السلطنة ممثلة في وزارة الصحة وجامعة السلطان قابوس بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بالتدشين الإقليمي للتحدي العالمي الثالث لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط بشأن سلامة المرضى “التطبيب من دون أضرار” كأحد المنافذ المهمة التي تتيح للسلطنة التلاقح مع الكثير من دول العالم، حيث يشارك في المؤتمر الإقليمي بالإضافة إلى السلطنة (21) دولة يمثلها كبار المسؤولين رفيعي المستوى في وزارات الصحة ومراكز التنسيق الوطنية لسلامة المرضى ومأمونية التطبيب، إلى جانب ممثلين لكبرى المؤسسات والوكالات والجهات صاحبة العلاقة الرئيسية في مجال سلامة المرضى ومأمونية التطبيب على الصعيدين الوطني والإقليمي أو على مستوى المستشفيات، ومن الهيئات المهنية علاوة على مشاركة عدد من البلدان النموذجية الواقعة في أقاليم صحية أخرى، والمنظمات الدولية الأخرى التي تجمعها أهداف مشتركة مع منظمة الصحة العالمية.
ولعل شعار الحدث (التطبيب من دون أضرار)، هو أحد جوانب قوته الحقيقية، فالجودة في تقديم الخدمات مسعى هام يأتي بالتعاون مع المنظمات العالمية والإقليمية، ما يتيح ترسيخ مفاهيم تكفل رفع مستوى أداء المؤسسات الصحية في السلطنة، وتجويد العمل فيه ليعكس التطور الذي تشهده، نظرًا لخصوصية تلك الخدمات التي تمس الإنسان في المقام الأول، بالإضافة إلى سعيها للمحافظة على مكتسبات النهضة المباركة، حيث تسعى السلطنة للحفاظ على الخدمات الصحية وفق خطط وضمانات تكفل تقليل الأخطاء المرتكبة في التطبيب وتقديمها بجودة عالية؛ والتي تكلف دول العالم مبالغ سنوية تصل إلى (42) مليار دولار أميركي تقريبًا؛ أي ما يمثل (1%) من إجمالي معدل الإنفاق على الصحة في العالم، وفقًا لما تشير إليه إحصاءات منظمة الصحة العالمية.
ويهدف الحدث إلى تشجيع الدول الأعضاء على تعزيز إجراءاتها المشتركة لدمج القضايا المرتبطة بمأمونية الدواء في سياساتها وممارساتها الصحية الوطنية، كما يركز التحدي العالمي الثالث لسلامة المرضى على تقوية النظم الصحية للحد من الأخطاء الدوائية بهدف خفض مستوى الضرر الوخيم الذي يمكن تلافيه نتيجة استعمال الأدوية وبنسبة تصل إلى 50%، وتتمحور سلامة المرضى حول الحد من مخاطر الضرر المرتبط بالرعاية الصحية ومكافحة العدوى ومأمونية المعدات، واتباع ممارسات سريرية مأمونة، بالإضافة إلى مأمونية بيئة الرعاية الصحية والطبية وعلى مستوياتها المختلفة، حيث تعد الأدوية هي التدخل العلاجي الأكثر شيوعًا الذي يستخدمه العاملون في مجال الرعاية الصحية في كل أرجاء العالم.
ورغم تمتع السلطنة بسمعة طيبة لدى الأوساط الدولية والمؤسسات الصحية، حيث أشاد مركز المتابعة التابع لمنظمة الصحة العالمية بتفوق السلطنة، مقارنةً مع دول المنطقة، في ارتفاع نسبة التبليغ عن الآثار الجانبية للأدوية، ووصلت نسبة تبليغ مستشفى الجامعة وحده إلى 70% من كامل نسبة التبليغ بالسلطنة؛ وهذا يدل على ارتفاع نسبة وعي العاملين في حقل الرعاية الصحية بأهمية التبليغ عن هذه الآثار، لذا أصبح مقرر (سلامة المرضى) منهجًا دراسيًّا في كلية الطب والعلوم الصحية؛ إيمانًا بأهمية هذا الحقل المعرفي الجديد، وضرورة مسايرة تطور التعليم الطبي حول العالم.
المصدر: اخبار جريدة الوطن