استقطبت برامج التنمية الشاملة والمستدامة في بلادنا اهتمامًا وافرًا، وحظيت بمتابعة لافتة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حيث كانت التنمية بمختلف مجالاتها وشتى مستوياتها الشغل الشاغل لدى جلالته ـ أيده الله. ولتأتي هذه التنمية أُكلها كانت إشارة الانطلاق منذ البداية نحو الإنسان العماني بتنميته والاهتمام به تعليميًّا وصحيًّا ورعائيًّا، فانصبت برامج التعليم على إثراء الجوانب المعرفية والثقافية ورفع المستويات التأهيلية والتدريبية لدى كل مواطن، ليكون قادرًا على القيام بمسؤولياته نحو ذاته وأسرته ومجتمعه ووطنه.
وما من شك أن التعليم يمثل الحلقة الأبرز والأولى في سياق عملية البناء والتنمية، لذلك تظل عملية تطوير التعليم وتجويده حاضرة بعمق في الخطط التعليمية وفلسفة التعليم، لكي يكون قادرًا على مجاراة النهضة العلمية التي يشهدها العالم، وبخاصة سوق العمل، فكل الإنجازات والإبداعات والمخترعات التي رفعت قدر اقتصادات الكثير من دول العالم، وأسهمت في تسجيلها نموًّا متصاعدًا ولافتًا لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت نتيجة جهود مضنية بذلت للوصول إلى ذلك، ومن بينها جهود تطوير التعليم وجعله مواكبًا لمتطلبات العصر وسوق العمل.
والاتجاه الذي بدأته السلطنة نحو تطوير التعليم كان الهدف منه مضارعة النجاحات التي حققتها الدول التي سبقتنا في هذا المضمار، ويأتي المقترح المقدم من لجنة التعليم والبحوث بمجلس الدولة حول دراسة “تعزيز دور التعليم في دعم الاقتصاد القائم على المعرفة” واحدًا من الشواهد على الحرص الذي توليه السلطنة لمسيرة التعليم وأهمية تطويره، انطلاقًا من ضرورة أن تستغل الإبداعات والأفكار والطاقات لدى الأجيال المتعلمة الاستغلال الأمثل، وأن توضع في قوالبها الصحيحة، حتى لا تضيع وتذهب سدى وتتشتت الجهود والطاقات والأفكار، وبالتالي تهدر معها الأموال التي تنفق كل عام على التعليم.
لقد حان الوقت لأن نجني ثمار ما ننفقه على التعليم في صورة عقول مبدعة ومبتكرة ومخترعة، ترفد الاقتصاد الوطني وتسهم في نموه. فالدراسة ـ وكما أكد ذلك أيضًا المكرمون أعضاء مجلس الدولة ـ تهدف إلى تشخيص واقع اهتمام التعليم في السلطنة بإنتاج المعرفة وتوظيفها، وتحديد تحديات تعزيز دور التعليم بالسلطنة في الإنتاج المعرفي بما يدعم الاقتصاد القائم على المعرفة، وتقديم مقترحات تعزز من دور التعليم في الإنتاج المعرفي، بما يتضمنه من استثمار طاقات الكوادر البشرية في إنتاج المعرفة وتوظيفها بما يخدم المجتمع والاقتصاد الوطني.
إن أهم ما يميز اقتصادنا الوطني أنه يعيش في بيئة تمتاز بالاستقرار السياسي والأمني، وما يتمتع به مجتمعنا من قيم التسامح والاحترام وتقبل الآخر، بالإضافة إلى عوامل الجذب ومجالات الاستثمار فيه والتنوع، خصوصًا مع دخول السلطنة في مجال إقامة المشاريع العملاقة، وهو ما يعطي التنمية البيئة المناسبة التي تحتاجها لنجاحها وديمومتها وتنوعها، فقطاعات الإنتاج متعددة، وهي بحاجة إلى ثراء معرفي وعلمي، وبالتالي فإن ضعف الاستثمار في الإنتاج المعرفي الداعم للاقتصاد الوطني بما يتواكب مع التوجهات العالمية الداعية إلى اعتماد التعليم كأحد مرتكزات الاقتصاد الوطني القائم على المعرفة، هو ضعف لا يسمح بتحقيق الخطط والسياسات الموضوعة نحو تنويع مصادر الدخل، وتوسيع مجالات الإنتاج، والاعتماد على القوى العاملة الوطنية. لذا إقرار مجلس الدولة لدراسة “تعزيز دور التعليم في دعم الاقتصاد القائم على المعرفة” يمثل دعامة لمؤسسات التعليم بالأفكار والرؤى المناسبة لتطوير منظومة التعليم، وتعزيز دورها في دعم الاقتصاد القائم على المعرفة.
المصدر: اخبار جريدة الوطن