في الوقت الذي يحاول فيه المهتمون بحل الأزمة السورية سياسيًّا ضخ أوكسجين في جسد مؤتمر جنيف الثالث عبر اجتماع ميونيخ الذي ينطلق اليوم، يواصل ذارفو دموع التماسيح الضحك على الذقون وخداع عوام الناس بتصعيد ملف اللاجئين إلى واجهة الأحداث، زاعمين أن تحركهم هذا إنما ينطلق من “دواعٍ إنسانية”، ومن خوفهم على مصير آلاف السوريين وتفاقم أوضاعهم. وهم بذلك يضربون سورًا حول مؤتمر جنيف ظاهره الرحمة وباطنه تغليظ العذاب ومفاقمة المعاناة على الشعب السوري، والهدف هو إفشال المؤتمر، وهو الهدف الذي يراد عبره تحقيق الهدف الأكبر والاستراتيجي بتدمير سوريا وتحويلها بؤرة للإرهاب كما فُعِلَ من قبل ويفعل الآن في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن وغيرها.
وفي جذر الفهم، فإن إعادة تحريك ملف اللاجئين من جديد له أسبابه الضاغطة التي تجعل المتحمسين بشأنه من تجار حقوق الإنسان والحروب ومستعمرين يزبدون ويرعدون ويتوعدون، وهو أسلوب مكشوف ومفضوح، بل وممجوج من كثرة ما مارسوه طوال أكثر من خمس سنوات من عمر الأزمة السورية. ولعل أهم الأسباب الضاغطة اليوم هو التحول الميداني اللافت والمائلة كفته لصالح الدولة السورية وجيشها الباسل وحلفائها المخلصين، وانعكاس هذا التحول بصورة لافتة أيضًا على الجانب السياسي، حيث أصبحت الدولة السورية وحلفاؤها يمسكون بأوراق تفاوض قوية في الوقت الذي أخذ فيه الإرهاب المدعوم من الأدوات واللاعبين الأساسيين في حلف التآمر والعدوان يتهاوى أمام ضربات الجيش العربي السوري، الأمر الذي بدا واضحًا في جولة مؤتمر جنيف الثالث من خلال إقدام وفد “المعارضات” على إفشال المؤتمر، خاصة بعد أن جاءت الأنباء بأن الجيش العربي السوري قد تمكن من فك الحصار عن مدينتي نبل والزهراء في ريف حلب، ويتقدم بوتيرة متسارعة في تطهير أرياف حلب من دنس الإرهاب.
وفي عمق الفهم أيضًا، نجد أن أسبابًا داعية إلى اللجوء للمتاجرة بأوضاع الشعب السوري وبحقوقه، والإيعاز إلى التنظيمات الإرهابية من قبل داعميها إلى تهجير المواطنين السوريين من مدنهم وقراهم باتجاه تركيا، ومن ثم إلى أوروبا، وهذا ما بدا واضحًا من خلال إشباع النهم الرأسمالي للأيدي العاملة الرخيصة لدول أوروبية في ظل ما تعانيه القارة العجوز من تراجع لافت في معدلات السكان والشباب، وبالتالي كانت القارة العجوز بحاجة ماسة إلى تجديد شبابها. وهناك من مارس سمسرته بمحاولة إغراق أوروبا باللاجئين عمدًا بفضل العلاقة العضوية القائمة بينه وبين التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش والنصرة وأحرار الشام والسلطان مراد”؛ لتحقيق أجنداته الاستعمارية بابتزاز أوروبا وإجبارها على تقديم ملياراتها بزعم مساعدته لعدم قدرته على استقبال المزيد من اللاجئين، وبكذبة مساعدة اللاجئين من خلال إيجاد فرص عمل أو إعانات لهم، وكذلك بكذبة السيطرة على الحدود، ولتكثيف الضغوط لتحقيق الأحلام الاستعمارية بإقامة مناطق “عازلة” أو “آمنة”. وهناك من يسعى إلى توظيف عبثه بحقوق الشعب السوري بمضاعفة دعم الإرهاب وتشديد الخناق عليه ومحاصرته في الاستمرار في ممارسة أساليبه المريضة والعفنة بالتحريض ضد الدولة السورية وتشويهها.
خلاصة القول، إن كل ما يذرف من دموع تماسيح، لدرجة الكذب وإيهام عوام الناس بالحرص على احترام الأوضاع الإنسانية للشعب السوري، إنما هو في حقيقته التلطي وراء هذا الحرص لإنقاذ التنظيمات الإرهابية من ضربات الجيش العربي السوري، وبالتالي انهيار كل المراهنات التي بناها عليها معشر المتآمرين على سوريا لتعديل الموازين على الأرض، ولذلك سيواصل الأدوات ومعشر المتآمرين في العزف على وتر الوضع الإنساني لتخليص تنظيماتهم الإرهابية من مصير بات محققًا.