أحيا الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات يوم أمس الذكرى السنوية التاسعة والثلاثين ليوم الأرض، عبر مسيرات ومظاهرات وفعاليات، محاولًا النبش في الدفاتر المنسية لمنظمة الأمم المتحدة وما تحويه من قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية، لإنعاش ذاكرة المنظمة الدولية وقوى ما يسمى المجتمع الدولي بأن هناك شعبًا في هذا التاريخ المعاصر لا يزال يقع تحت أطغى احتلال عرفته البشرية، إنه الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين الذي تفوق على جميع الاحتلالات التي عرفتها البشرية في مختلف حقب التاريخ.
وتعود أحداث هذا اليوم، إلى التاسع والعشرين من مارس عام 1976 حيث قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سرقة آلاف الدونمات من الأراضي ذات الملكية الخاصة أو المشاع لفلسطينيي عام 1948، ورافق قرار السرقة إعلان حظر التجول على قرى سخنين وعرابة ودير حنا وطربان وطمرة وكابول، من الساعة الخامسة مساء يوم التاسع والعشرين من مارس، ما دفع أبناء الشعب الفلسطيني الغيورين للدفاع عن حقوقهم ومقاومة اللصوص الإسرائيليين، فعم إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب على أثر هذه السرقة، واندلعت مواجهات أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات.
ويبدو أن الفلسطينيين جراء ما يحدث الآن من فوضى مركبة من إرهاب وقتل وعنف وتدمير وتخريب يجري دحرجتها ككرة الثلج في المنطقة، لم يبقَ لهم من كينونتهم وحقوقهم سوى الذكريات بكل لواعجها وآلامها ومآسيها، رغم ما حدث ويحدث لهم من اغتيال وتهجير وتشريد قسرييْنِ وحصار ونهب واغتصاب متواصل لأرضهم وثرواتهم الطبيعية، والزج بهم في معتقلات الاحتلال. فذكرى يوم الأرض حالها حال ذكرى النكبة والنكسة الأليمة، يحييها الفلسطينيون وسط اختلاط كبير في المشاعر بين الأسى والحزن والكمد، وخشية تتملك جموع الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات من مستقبل مجهول ينتظر قضيتهم العادلة وما تبقى من أرضهم وسط محاولات مستميتة من قبل الصهاينة ليسوا المنتفعين فقط من وعد بلفور، وإنما من دجاجة “الربيع العربي” التي تبيض ذهبًا ولا تضعه إلا في سلة الاحتلال الإسرائيلي وخدمة مشروعه وحلمه بإقامة المستعمرة الكبرى المسماة “إسرائيل” المترامية الأطراف، والخالية من أي جنس عربي أو فلسطيني أو هوية عربية وإسلامية ومسيحية؛ مستعمرة خالصة وخاصة بقطعان جمعت وجلبت من مختلف أصقاع العالم؛ مستعمرة تكون الآمر الناهي في المنطقة وما عداها عبارة عن كيانات طائفية متناحرة تعمل المستعمرة الصهيونية على مواصلة بث شرور الفتن والتفرقة والكراهية الطائفية والعرقية وغيرهما.
وعلى تخوم العجز والفشل والخيبة، وعلى ضفاف الخيانة والعمالة والمتاجرة لتحالفات “الربيع العربي”، تتحرك مختلف خيوط الحسابات والمعادلات نحو ترجمة مشروع تصفية القضية الفلسطينية من خلال مواصلة مؤامرات التفتيت والتخريب ونشر كرات لهب الإرهاب في كل اتجاه، بما يسمح ويمكِّن خدام المشروع ومنفذيه من تحقيقه.
لكن رغم كل ما يحاك من مؤامرات ومشاريع تدميرية وتخريبية ضد القضية الفلسطينية، فإن الآمال عريضة والثقة كبيرة في قدرة الشعب الفلسطيني على مواصلة نضاله واجتراح المعجزات التي تمكِّنه من استعادة حقوقه المسلوبة، فما ضاع حق وراءه مطالب.