تحل علينا غدًا ذكرى عطرة، تشكل جزءًا كبيرًا من مكونات الوعي لدى الإنسان العماني، وترسم كلما مر عام من عمر النهضة المباركة مزيدًا من الخطوط الموضحة لمعالم حضارتنا الزاهرة، وشيئًا فشيئًا تتضح معالم تلك اللوحة الجميلة التي ترسم صورة عُمان الحديثة.
ولو أن لآلة الزمان وجودًا في هذا الزمان .. ولو أن لرحلتها الخارقة إلى الماضي وجودًا في الواقع .. لعكست حقيقة الأوضاع بين الماضي والحاضر لتتناقلها الأجيال على وسائل التواصل والاتصال الحديثة وابتكارات هذا العصر ومخترعاته في صور ثلاثية الأبعاد أمام هذا الجيل خاصة، ولتنطق إجلالًا وإكبارًا لعظمة المنجز وإبداع الإنجاز على أرض عُمان، ولتسرد قصة كفاح شعب وعبقرية قائد كانا على موعد في لحظة فارقة قلما جاد بها الزمان في تاريخ الأوطان، ليحفرا مجرى جديدًا في نهر الحضارة الإنسانية لحاضر عُمان ومستقبلها، ويقصَّا للعالم حكاية أكثر من أربعة عقود من الامتزاج بثرى هذا الوطن عرقًا وجدًّا وإيثارًا، فكان حقًّا أن تعانق الإنجازات أفلاك النجوم، وتتعالى الهامات فخرًا بين الأمم والشعوب.
ونحن نستعد للاحتفال بذكرى يوم النهضة المباركة التي تصادف ذكراها غدًا فإن ربط الماضي بالحاضر ضروري لإنعاش ذاكرة المواطن وخاصة أجيال الثمانينيات والتسعينيات والألفية الثانية للوقوف على حجم التحديات التي صاحبت بدايات النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ من أجل بناء وطن حضاري يسمو بذاته وبأبنائه. فالبدايات كانت شديدة التواضع، بل كانت من مستوى الصفر قبل ما ينيف على أربعة وأربعين عامًا، والصورة كانت شديدة القتامة لمجتمع يعيش منتصف القرن العشرين بمعطيات القرن التاسع عشر، والمحظورات الكثيرة كانت دافعًا لكثير من المواطنين للارتحال إلى المناطق المجاورة طلبًا للرزق وللعلم أو للاثنين معًا، فظلمة الجهل كانت سائدة في الداخل والرزق كان شحيحًا، وسطوة الأمراض كانت مواجهتها خاضعة لاجتهادات الأجداد؛ تارة تصيب بتوفيق من الله، وتارة تكون لها تأثيراتها السيئة فتروح جراءها أرواح أو تُعوَّق أعضاء، وسط استغلال للدجالين لظروف المرضى، فلم تكن هناك مؤسسات تعليمية من جامعات وكليات ومدارس ومعاهد، ولا مؤسسات صحية من مستشفيات مرجعية وتخصصية أو حتى مراكز صحية بسيطة، وكانت البلاد تعيش حالة من التشرذم والتباعد بل والتباغض، ومتطلبات تغيير هذه الصورة بالغة السوء إلى الأفضل كانت غير موجودة، واستمرت الأحوال على هذا النحو إلى أن قيض الله لهذه البلاد فارسها ومنقذها وراعيها في الثالث والعشرين من يوليو 1970 المجيد ليمثل تبوأ جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ نهاية لهذه الحقبة المظلمة من تاريخ عُمان، وبداية صفحة جديدة من التغيير والتطوير والتنمية والتحديث تستهدف كل جوانب النشاط الإنساني لتحقيق ما يليق بالمواطن العماني من العيش الكريم والمكانة اللائقة التي يستحقها.