جاء شهر رمضان الذي تتوق إليه النفوس المؤمنة كل عام، لتسمو بما يفيض من روحانيات، وتخرج من شرنقة المادية التي فرضتها علينا الحياة المعاصرة، حيث يذكرنا الشهر الفضيل ـ بما يجود به من فيوض روحانية ونفحات إيمانية ـ بالمعاناة التي يعيشها بعض شركائنا في الإسلام والإنسانية من حرمان وعوز، وما تمر به الإنسانية من صراعات بغيضة، تسيل لها الدماء الزكية التي حرمها ديننا الحنيف إلا بالحق، وتوعد من ينتهكها بالعقاب في الدنيا والآخرة، إلا أن بعض من ينسبون أنفسهم لهذا الدين العظيم لا يزالون يسفكون الدماء ويقتلون الأنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، والحق أعطاه الله حصرًا للدفاع عن النفس، أما الاعتداء على النفوس البريئة فليس من الإسلام في شيء.
إن شهر رمضان المبارك فرصة سنوية ينعم الله جل وعلا على عباده، بالتفكر والتدبر عبر قيام الليل وتلاوة محكم آياته، حتى يتسنى النهل من بركاته، كما يشكل الصيام فرصة حقيقية لترويض النفس وتزكيتها، لتمد يد العون للمحتاجين والضعفاء والفقراء، ليظل شهر رمضان عنوانًا للجود والكرم، فهو شهر أكرمنا الله سبحانه وتعالى به، لنكرم عباده ما استطعنا، لنقتدي برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت أنه كان أجود ما يكون في شهر رمضان، بالإضافة إلى القول الحسن والمعاملة الطيبة، ومد بساط رزقه الذي رزقنا إياه عليهم، بالإضافة إلى التمسك بالخلق الإسلامي الرفيع، الذي كان ولا يزال بوابة تتهافت لها القلوب الضالة لتعود لرحابة الأمان عبر بوابة هذا الشهر الفضيل.
إن من فضائل شهر رمضان هو الجمع بين الصيام والصدقة، والقيام والصدقة، وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل، كما يشكل الشهر المبارك فرصة لتغيير العادات السيئة، كما يعلم الصبر فمن يصبر على الجوع والعطش يستطيع الصبر على الأمور الأخرى التي تحتاج وقت انتظار، والصبر خصلة مهمة يجب على الجميع أن يتحلّى بها، كذلك كسر شهوات النفس، فيمتنع عن السَّب والشَّتم وسوء الخلق كامتناعه عن الطعام والشراب، والحاجة الجسدية، وغض البصر، وكف الأذى، وتجنُّب الإصغاء إلى المحرَّمات، بالإضافة إلى تطهير النفوس من الأحقاد والخصومات السابقة طمعًا بالأجر والمغفرة، فيسامح من أخطأ بحقه، ويعتذر ممن تسبب لهم بالأذى، فتصفو النفوس، وتزول الخطايا، وتسود المحبة بين المجتمع.
ولعل أبرز ما يعطيه هذا الشهر المبارك هو الإقبال على العلم الديني، فيقبل المسلم على التعلم والاستزادة في العلم ليفهم القرآن الكريم، ويتوسع معه في مختلف مجالات العلوم، ولا يقتصر هذا البحث على القرآن فقط، بل يمتد ليشمل العلوم كافة باختلاف مواضيعها، مما يخلق جيلًا قارئًا واعيًا لمتطلبات عصره وحاجته.
إن فوائد الشهر الفضيل تتعدد وتتشعب، لكنه بجانب فوائده في دنيانا، فله فوائد كبيرة في آخرتنا، فرمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ولعل هذه الاستزادة الروحانية، هي أشد ما نحتاج إليها في هذه الأيام العصيبة التي نعيشها، في ظل ابتلاء الأمة الإسلامية بالشدائد والصعاب، والتي لن يكشفها غيره سبحانه وتعالى، فتعالوا نغتنم فضائل رمضان، وندعو الله أن يكون شهر خير يحقن دماء الأمة الإسلامية، بل يحقن الدماء جميعًا.
وفي الختام نسأل المولى جلت قدرته أن يعيد هذا الشهر الفضيل على قائد مسيرة نهضتنا وتاج عزنا وفخارنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة ويديم السلام والأمن والرخاء لعُمان ولشعبها تحت قيادته الظافرة والحكيمة، ويكتب السلام والأمن للعالم أجمع، إنه سميع مجيب.
المصدر: اخبار جريدة الوطن