حين يكون الاهتمام بمبدأ الشراكة محل الرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى حد التوجيه بضرورة المشاركة الفعلية بين المواطن والحكومة والنهوض بالشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص تتناول قضايا المجتمع وهمومه واحتياجاته، إنما يكون ذلك دليلًا واضحًا على أهمية هذا الموضوع وضرورة أن نعيه جيدًا كأساس من أسس العمل الوطني في البلاد .
والنتائج التي خرج بها مؤتمر عُمان للمسؤولية الاجتماعية 2014 أمس والذي جاء بتنظيم من مؤسسة إنفورما الشرق الأوسط بالتعاون مع الهيئة العامة لسوق المال وشركة النفط العمانية والجمعية العمانية للخدمات النفطية (أوبال)، هي ـ بلا شك ـ إحدى الترجمات العملية لنهج جلالة السلطان المعظم في هذا الشأن في شكل توصيات عقب مناقشة محاور المؤتمر الرئيسية المعنية بالدور المتغير للمسؤولية الاجتماعية للشركات وأهميتها في التطور الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المستدام في السلطنة، والمعايير والاستراتيجيات العامة والرؤى المتطورة لممارسة المسؤولية الاجتماعية.
وما من شك أن اضطلاع الشركة بمسؤوليتها تجاه حقوق العاملين، ودعم ومساندة المجتمع، وحماية البيئة من الأضرار وتفادي الملوثات والانبعاثات، وتشجيعِ تطوير التقنيات لإيجاد الحلول والمعالجات للكوارث والأزمات البيئية، يعد مكسبًا وطنيًّا حقيقيًّا ليس فقط في صالح الشركات والمؤسسات القائمة به وتعزيز دورها ومكانتها في مسيرة التنمية والتطور التي تشهدها بلادنا حاليًّا مواكبة لعصر النهضة المباركة، وإنما في صالح الموظف والعامل والمواطن والبيئة والاقتصاد والتنمية المستدامة، ما سينعكس بالكثير من الخير والإيجابية والاستقرار الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي في البلاد، ويحقق كذلك الانسجام المطلوب في الشراكة والمشاركة بين مختلف الأطراف نحو بلوغ الأهداف الكبرى والغايات النبيلة. كما أن العناوين أو المحاور التي جاءت على ضوئها النتائج والتوصيات يمكن من خلالها إطلاق طاقات المجتمع بجميع أفراده ومؤسساته الحكومية والخاصة.
لقد انطلقت مسيرة النهضة العمانية الحديثة في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 بقيادة جلالة السلطان المعظم لترسي واقعًا جديدًا يقوم على تنمية الإنسان العماني وتفعيل مشاركته وتحرير إرادته وإشراكه في رسم الرؤية المستقبلية لحياته وحياة أبنائه من بعده، وعلى هذا الأساس انطلقت عملية وضع البنية الأساسية للعمل العام، وكانت النتائج مبهرة كما نرى في الصفحات التي تم تسطيرها من كتاب النهضة الخالد. وتعد المؤتمرات واللقاءات المباشرة بين مختلف المؤسسات الرسمية والخاصة والمواطنين أو من ينيبهم ممارسةً عمليةً وشكلًا من أشكال ترجمة رؤية العاهل المفدى وتجسيدًا لها ووفاءً وعرفانًا وانتماءً لهذا الوطن وقائده.
إن المسؤولية الاجتماعية هي ركن من أركان التنمية الشاملة والاستقرار المعيشي والنماء الاقتصادي، وحين تتكفل الشركة برعاية موظفيها وعمالها وتقديم ما يلزمهم من أسباب الاستقرار الوظيفي ويحفز طاقاتهم على الإنتاج والعطاء، وحين تراعي الشركة المنتجة أو المصنعة سلامة البيئة ونظافتها بالتخلص من مخلفات صناعتها بطرق صحية وسليمة، وتنسق مع الجهات المعنية بالقطاع الصحي والبيئي الجهود لتلافي أي مخاطر بيئية أو انبعاثات مضرة، سواء في البر أو البحر أو الجو، إنما يعني ذلك قبولًا وتعهدًا بتحمل أمانة المسؤولية الاجتماعية تجاه الوطن، وهذا في أعلى درجات الوعي والرقي في التعامل والشفافية والمصداقية.
إن الانتقالة النوعية للواقع العماني الراهن وبخاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي عبر سفينة المسؤولية الاجتماعية سيكون انعكاسًا للنهج الذكي والحكيم الذي اختطه قائد مسيرة النهضة المباركة لبناء الإنسان العماني أولًا ولبناء الوطن ثانيًا.