اعتاد كيان الاحتلال الصهيوني في سياسته الاحتلالية المبنية على المراوغة والتملص والخداع والهروب إلى الأمام وافتعال الأزمات وشن الحروب، اللجوء إلى ذلك حين يرى أن الضغوط بدأت تتوالى عليه وأن الأضواء أخذت تتسلط عليه.
اليوم وفي خضم المفاوضات التي استؤنفت بقرار أميركي ظاهرًا، صهيوني باطنًا، ووفق الشروط التي فرضها المحتلون الصهاينة، لا يزال كيان الاحتلال يتنكر للحق الفلسطيني ويواصل اختلاق الادعاءات وابتداع الشروط التعجيزية قبل أن يقوم بما يتوجب عليه ابتداءً ليأخذ في المقابل ما يراه حقًّا أو مستحقًّا له، وذلك حتى لا يلتزم أو يُلْزم بنهج تفاوضي يؤدي إلى حل الصراع مع الفلسطينيين وعبر الوسائل السلمية واحترام قرارات الأمم المتحدة، فتجد سياسة الاحتلال تتمسك بشروطها التعجيزية لعلمها أن الجانب الفلسطيني من الاستحالة بمكان أن يتبع سياسة القفز على ما هو واجب إلى ما هو حرام ومحظور، وتجاوز جوهر القضية الفلسطينية ولب الصراع إلى القشور.
وطبعًا مثل هذه الأساليب ليست جديدة، وإنما هي من ركائز سياسة الاحتلال الصهيوني لرفع الحرج عند الضرورة، ولمواصلة تغيير الواقع على الأرض لصالح المشروع الاحتلالي الاستعماري المدعوم غربيًّا وتحديدًا من الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك لحالة اليقين لدى الطرفين المحتل المدعوم والحليف الداعم، أن كيانًا احتلاليًّا بهذه التركيبة القائمة على عمليات الجلب لقطعان مستوطنيه من مختلف أصقاع العالم ما يفرق بينها أكبر بكثير مما يجمع لن يستطيع الحياة إلا في مناخ صراعي، لهذا نجده منخرطًا في التخطيط لكل ما يحفظ وتيرة الصراع في المنطقة على أشده.
ولضمان استمرار هذا النهج كان لا بد من الارتكان إلى المماحكات والشروط التعجيزية للتنكر للحقوق الفلسطينية، والانتقال مع مرور الزمن من رفض إلى رفض ومن مصادرة للحق الفلسطيني هنا إلى مصادرة للحق هناك وهكذا، فعلى سبيل المثال كان كيان الاحتلال الصهيوني يدعي أنه يعترف باعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، ولكنه مع مرور الوقت سطا على المدينة رافضًا الاعتراف بها عاصمة للدولة الفلسطينية، منتقلًا في ممارساته الاحتلالية إلى صيغة أن القدس هي العاصمة الموحدة والأبدية للكيان المحتل، والذي لم يسطُ عليه بنيران إرهابه، يسطو عليه بالمزاعم على غرار جدار الفصل العنصري الذي يدعي المحتلون الصهاينة أنه ضرورة لفرض الأمن وتأمين قطعان المستوطنين من “الهجمات الإرهابية” الفلسطينية، فها هو الجدار العنصري يكاد يلتهم كامل أراضي الضفة الغربية آتيًا على المياه والأراضي الزراعية الخصبة، ومدمرًا القرى التاريخية والآثار العربية والإسلامية والمسيحية.
إن الهاجس الأمني كان ولا يزال أحد المخارج ووسائل التهرب لدى كيان الاحتلال الصهيوني، فالمحتلون الصهاينة يوظفون هذا الهاجس في نهب ما تبقى من الأرض الفلسطينية، لذا فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس حاول أن يلقي بالكرة في الملعب الصهيوني حين أكد أن الانسحاب الصهيوني من الأراضي الفلسطينية يجب أن يتم خلال فترة ثلاث سنوات في إطار أي اتفاق سلام قادم، مقابل “أن يكون هناك طرف ثالث بعد أو أثناء انسحاب “إسرائيل” ليطمئن الإسرائيليين وليطمئننا أيضًا بأن الأمور ستسير بشكل طبيعي”، مضيفًا “نعتقد أن الناتو (حلف شمال الأطلسي) هو الطرف المناسب لمثل هذه المهمة”. ولكن سرعان ما حاول المحتلون التخلص من هذا الخانق باللجوء إلى شروطهم التعجيزية التي في مقدمتها الاعتراف الفلسطيني بما يسمى “يهودية الدولة”.
الخلاصة أن كيان الاحتلال الصهيوني لن يُقْدِم على أي خطوات عملية أو تنازلات حقيقية لصالح عملية السلام والصراع العربي ـ الصهيوني، لا سيما وأن المناخ العربي العام يسير لمصلحة الاحتلال الصهيوني.