إن الاهتمام بالقوى العاملة العمانية يشكل مرتكز سياسة الاهتمام بالتنمية البشرية التي شكلت بدورها ركيزة إنطلاق مسيرة النهضة العمانية الحديثة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه. وما نشهده في سوق العمل العماني من تسارع في النمو لم يكن وليد اللحظة أو المصادفة، وإنما هو وليدة جهود مضنية وخطط ورؤى ودراسات واكبت حركة التشغيل لحظة بلحظة منذ بواكير النهضة المباركة وإلى اليوم.
هذا التسارع كان في عقل المخطط بأن يحظى بالرعاية والاهتمام لضمان استمراريته وإنتاجيته ونموه واستقراره، وبالتالي كان لابد من حزمة من القوانين المتكاملة التي تتفاعل مع الحدث على اختلاف تحولاته ومع كل أطراف العلاقة التعاقدية أيضًا، وكذلك مع المتغيرات والظروف التي قد تقتضي تعديل بعض المسارات، سواء بالمنع أو بالإضافة حتى تتوازن علاقة المصالح بين صاحب العمل من جهة والعامل من جهة أخرى، وكذلك بين الحاجة لتشغيل اليد العاملة الوطنية وإتاحة الفرصة كاملة أمامها للمساهمة في برامج التنمية في البلاد، وبين جلب يد عاملة أجنبية تؤدي هي الأخرى دورها في تدوير دولاب العمل والحركة التنموية. هذه التشعبات المتعددة لعلاقات العمل بحاجة إلى تنظيم مستمر، كما أنها أيضًا بحاجة إلى آليات فاعلة لمراعاة التنفيذ الدقيق لأحكام القانون والقرارات الوزارية المنفذة له. وبخاصة حين يكون القطاع الخاص أحد أطراف هذه العلاقة، وتنهض السلطنة بهذه الأعباء على اختلافها عبر الجهات المعنية كوزارة القوى العاملة واتحاد عمال السلطنة وغرفة تجارة وصناعة عمان وغيرها، حيث استمرار المساعي الطيبة والجادة نحو تحديث قانون العمل واللوائح والنظم المنظمة للعلاقة بين صاحب العمل والعامل وبما يؤدي إلى الاستقرار الوظيفي وتعميق الشعور بالانتماء الوظيفي للمؤسسة، الخاصة أو العامة. فالكوادر العمانية المنتجة هي التي تتولى ومن المفترض أنها الوحيدة التي ستتولى مستقبلًا تحويل كل مصادر الإنتاج في هذا الوطن إلى إدارة وطنية كاملة من خلال برامج التعمين الطموحة والتي تؤكد أنها تحرز نجاحات متواصلة رصدتها ندوات تشغيل القوى العاملة الوطنية التي التأمت من قبل، وكذلك الجهود التي تقوم بها الهيئة العامة لتشغيل القوى العاملة، والجهود القائمة من خلال برنامج صندوق (الرفد) لدعم الشباب الراغبين في تأسيس مؤسسات متوسطة وصغيرة، ولتنمية المشاريع الفردية والصغيرة وتشجيع مشاريع البحث والتطوير والابتكار. ويكفي السلطنة دلالة على جهودها الرائعة والمقدرة على مد مظلة التأمين لتشمل ذوي الأعمال الحرة، وعدم الاقتصار على الدعم وحده، ومساواة الإجازات الأسبوعية والرسمية بين موظفي القطاعين العام والخاص.
على الجانب الآخر لم تغفل السلطنة دور القوى العاملة الوافدة والتفكير المتواصل لتنظيم حركة هذه القوى، وشمولها بالحقوق والواجبات وبالقوانين المراعية لظروف عملها وإقامتها وكفالة هذه الحقوق وفق قانون عمل موحد يساوي ـ إن لم ينحز في بعض مواده ـ بين القوى العاملة الوطنية وبين القوى العاملة الوافدة، ما سمح بالتالي للحكومة عبر الجهات المعنية بمحاربة ظاهرة اليد العاملة (السائبة) أو غير المقننة، أو تلك التي تجاوزت أو خالفت إجراءات الإقامة أو ضوابط التشغيل. هذه الجهود المقدرة مجتمعة كانت حاضرة في مؤتمر العمل الدولي والمنعقد حاليًّا في جنيف بمشاركة السلطنة وسط تحركات ملحوظة بين أطراف الإنتاج الثلاثة ومجموعات الدول حول مختلف الموضوعات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر، حيث أكدت السلطنة في مداخلة بالمؤتمر نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي أن “دول المجلس داعمة لأي جهد دولي يهدف إلى مد نطاق الحماية القانونية لجميع العمال بمختلف فئاتهم، شريطة أن ترافق ذلك مرونة تمكن الدول من وضع السياسات المناسبة وفق تشريعاتها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة فيها”. موضحة أن “دول المجلس استشعرت مبكرًا ضرورة أن تمتد الحماية القانونية لكافة شرائح العمال، بمن فيهم أولئك غير الخاضعين لأحكام قوانين العمل بسبب طبيعة العمل التي يؤدونها أو لوجود تنظيم قانوني آخر خاضعين له”.
إنها رسالة ليست إنسانية فحسب، وإنما رسالة تؤكد مدى الاحترام للاعتبارات والعلاقات القائمة والمصاحبة لأطراف الإنتاج الثلاثة، فهي رسالة واضحة الدلالات والمعاني.