تحتل مناسبة عيد الفطر السعيد مكانة في أنفس المسلمين، مثلما تأخذ رمزيتها وحضورها الديني لكونها شعيرة من شعائر الله، فيوم العيد هو يوم الجائزة واليوم الذي يختم الله به شهر رمضان المبارك، بعد رحلة إيمانية حافلة قضاها الصائمون بين العبادة والقيام وتلاوة القرآن، والانقطاع عن شهوات الدنيا وزينتها طمعًا في ما وضعه الله من رحمات وعطايا وحسنات وأجور مضاعفة، حرصًا منهم على جني ثمار ما أودعه الله في رمضان الذي خص ذاته العلية بهذا الشهر من بين سائر الشهور، وأعظم هذه الثمار التقوى، وطمعًا في الفوز بالقبول والرضوان والرحمة والمغفرة والعتق من النيران.
فالمسلم حين يشعر أنه بذل واجتهد وأخلص وابتعد عن مظاهر الرياء والتباهي لا شك أنه عند انتهاء عدة شهر رمضان وبلوغ يوم الجائزة وهي يوم العيد تتولد مشاعر مختلطة بين الحزن على فراق الشهر ووداعه، والخشية أن يفارق الحياة قبل أن يأتي عليه رمضان التالي، وبين مشاعر الفرح بأن أتم صيام رمضان، راجيًا الله أن يشمله برحمته ومغفرته وأن يكون من عتقائه من النار، ومهنئًا في الوقت ذاته إخوانه وأقاربه وأرحامه بإتمام فريضة الصيام، ومبادلًا إياهم فرحة العيد والتهاني بالمناسبة.
إن العيد شعيرة يتقاسم فرحتها جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويتقاسمون إحياءها سيرًا على نهج السلف الصالح، ووفق ما بينته شريعة الإسلام، وأمس احتفلت السلطنة بأول أيام عيد الفطر المبارك، حيث أدى صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد الخور في مسقط. وقد أكدت خطبة العيد فضل الله عز وجل من الأجر والثواب لمن أتم الصيام والدعوة إلى تعظيم أمر الله عز وجل، واجتناب نهيه والإخلاص له وحده بالعبادة، والدروس والعبر المستفادة من الصلاة والصيام والذكر والدعاء وتلاوة القرآن الكريم خلال شهر رمضان المبارك.
ولم تغفل خطبة العيد ـ كما في كل مرة ـ عن دعوة أمة الإسلام إلى الوحدة والتآلف والتكاتف والتعاون، ونبذ الفرقة والاختلاف والتشرذم، والتأكيد على أهمية هذه الوحدة باعتبارها مصدر قوة وتماسك للمسلمين ضد فتن الأعداء وما يتربصونه من دوائر. وكما هو ثابت عن العبادات والفرائض وحكمها، أنها بطبيعتها عبادات وفرائض جوهرها الوحدة والتآلف والمودة والمحبة والتلاقي وحب الآخر، فالمسلمون يعبدون إلهًا واحدًا، ويصلون خمس صلوات ويلتقون في مسجد أو جامع واحد، وينتظمون في صفوف متراصة متحدة، ويصومون شهرًا واحدًا عبادة وتقربًا وتذللًا للخالق سبحانه وتعالى، ويؤدون زكاة واحدة، ويحجون بيتًا واحدًا، وهكذا.
لذلك، من غير السوي، ومن غير المقبول لا شرعًا ولا عقلًا أن يؤدي المسلمون هذه العبادات والفرائض والشعائر وقد مالوا إلى ما يتناقض مع حكمها ومشروعيتها. وكما قالت خطبة العيد فإن الله تبارك وتعالى أكرمنا بهذا الدين وشرَّفنا به من بين العالمين أُسّ وحدتنا، وأصل عزتنا، وينبوع نهضتنا، فلقد علمنا الله به من الجهالة وهدانا به من الضلالة، وكثرنا به من القلة، وأعزنا به بعد الذلة، بعد أن لم يكن العرب قبل الإسلام يعرفون للتوحيد دليلًا، ولا للوحدة سبيلًا، فجمع الإسلام على التوحيد شملهم،
ووحد على الحق رايتهم حتى أضحوا خير أمة أخرجت للناس، كما وصفها ربها سبحانها وتعالى بقوله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
وفي الختام وبحق هذه الأيام المباركة نسأل الله جل في علاه أن يعيد هذه المناسبة وأمثالها على قائد مسيرة نهضتنا المباركة وتاج عزنا ورمز فخرنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ويكلأه بعين رعايته وعنايته، ويمنَّ عليه بالصحة والعافية والسؤدد، إنه سميع مجيب.
المصدر: اخبار جريدة الوطن