في الوقت الذي يمارس فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي جرائم حربه وانتهاكاته ضد الإنسانية، ويتآمر ويتنمر على الحقوق الفلسطينية والعربية، يدرك أن اللعب على المكشوف وسياسة خلط الأوراق واللعب بالنار لن يسمح له بتحقيق ما يريد، وهذا قمة التناقض في التعاطي السياسي، ويدل على مدى ما وصل إليه الفكر الصهيوني من التعالي والكبر والمكابرة، معتقدًا أن الدعم غير المحدود الذي يتلقاه من حلفائه الاستراتيجيين الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، ومن بعض الأتباع في المنطقة والإقليم، يسمح له بمواصلة ارتكاب الموبقات واغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، وإبادتهم والتنكيل بهم، وتشريدهم أو الزج بهم في معتقلاته الشبيهة بمعتقلات النازية.
إن مواصلة كيان الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الغاشم على قطاع غزة الواقع تحت الحصار، واستهداف البنية الأساسية المتهالكة واغتيال الأطفال والنساء تحت حجج واهية أمر مدان قانونيًّا وشرعيًّا، ومجرم ومرفوض، ويعبِّر عن المستوى الذي وصلت إليه نفوس المحتلين الإسرائيليين من حقد وكراهية وتوحش وإرهاب وعنصرية، وباتوا مدججين بخرائط الاستيطان الاستعماري والأطماع وأوهام الهيمنة المطلقة، والتمدد غير المحدود لأذرع الاحتلال في عموم المنطقة، وسط سيل من الممارسات والأساليب المرتكزة على تغيير المشهد بكليته لصالح المشروع الاستعماري الامبريالي، مع استمرار هذه الممارسات والأساليب لتغييب الذاكرة، وطمس كل ما يمت بالصلة والعلاقة بين فلسطين وشعبها وشعوب المنطقة، وتقطيع أواصر أي امتداد تاريخي وثقافي وديني.
صحيح أن الوضع العربي الراهن أضحى مشلولًا ولا يعوَّل عليه في تغيير الموازين وإخراج المنطقة من عثرتها، وذلك للدور الذي لعبته بعض قواه وجماعاته المحسوبة على الإسلام في كسر العمود الفقري للظهير العربي والمتمثل في الدول المستباحة اليوم بالإرهاب والفوضى والتدمير والخراب، والمهددة بذلك، وتحديدًا العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر، إلا أن الشعوب الحية والحرة لا تموت، بل تموت من أجل أن تحيا وتعود لتؤدي دورها ورسالتها في مواجهة قوى الطغيان والظلم والاستبداد والاستعمار والامبريالية والعنصرية والإرهاب، فالشعب الفلسطيني كالشعب السوري والشعب الجزائري وهكذا، بات لديه من الصمود والعزم وإرادة المقاومة ما يستطيع أن يدفع عن نفسه الظلم، ويستعيد حقوقه المسلوبة، ويردع المحتل والمعتدي والعنصري والإرهابي ويوقفه عند حده. فها هي اليوم المقاومة في فلسطين مستمرة في تطوير أدوات نضالها وكفاحها، وجعل العدو الصهيوني يحسب حسابًا لها.
من المؤكد أن لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي رغبة كبيرة في تدمير قطاع غزة، وتصفية أبنائه المقاومين المرابطين، وقد أكد أكثر من مسؤول إسرائيلي هذه الرغبة، متمنين أن يصحو يومًا وقد ابتلع البحر غزة، غير أن التطور الكبير لدى المقاومة في قطاع غزة وفعالية أساليبها وتنوعها، وتحسين قدراتها الدفاعية، غدا كل ذلك يشكل هاجسًا وأرقًا مزمنًا، ولم يخفِ قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي من سياسيين وعسكريين هذه الحقيقة، كما لم يخفوا مخاوفهم مما قد ينتظرهم في قطاع غزة إن قرروا ارتكاب حماقة جديدة، لدرجة أنهم أصبحوا يشْكُون من عجزهم عن إلحاق الوجع والتدمير بغزة وسكانها، هذا في حد ذاته كافٍ ببث روح الهزيمة والانكسار في صفوف العدو الصهيوني قبل أن يبدأ معاركه وإرهابه. لذلك ستظل غزة عظمًا في حلقوم المحتل الإسرائيلي.
المصدر: اخبار جريدة الوطن