مثلما كانت البدايات جاءت النهايات للمفاوضات التي أطلقها جون كيري وزير الخارجية الأميركي بين الجانب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي، سيرًا على خطى سابقاتها من جولات التفاوض العبثي واللقاءات الدعائية التي تقودها السياسة الإسرائيلية المراوغة والإعلام الصهيوني، حيث أعلن أمس عن أن بطن المفاوضات خالٍ من أي حمل، وإنما كان جل ما هنالك عبارة عن انتفاخات لإيهام الرأي العام العالمي بجدية الموقفين الإسرائيلي والأميركي من الصراع العربي ـ الإسرائيلي وعملية السلام؛ انتفاخات تدخلت فيها كالعادة وسائل الإعلام الصهيوني وبعض تابعاته من وسائل الإعلام العربية والغربية لفبركة صور المفاوضات وإظهارها بتلك الصورة وأن نتائجها إيجابية تختلف هذه المرة عن سابقاتها.
وإزاء هذا الإخفاق الأميركي المقصود إسرائيليًّا عن سبق إصرار وترصد، مع عدم إنكار السلبية الدائمة للمواقف الأميركية، لم تكن الحلول الأمنية وحدها عندما تصل المباحثات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى مأزق بمثابة تكتيك احتياطي مكرر لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة، ويتم اللجوء إليها عادة لإرضاء كيان الاحتلال الإسرائيلي على حساب السلطة الفلسطينية، وإنما الآن يجد كل من المحتل الإسرائيلي وحليفه الأميركي ضالتهما في اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس للهروب من الإخفاق واتخاذهما الاتفاق شماعة يعلقان عليها أدوارهما المتقاطعة المعطلة لنجاح المفاوضات.
إذن، نحن أمام شماعة جديدة يعلق عليها المحتلون الإسرائيليون تنكرهم ومراوغاتهم، ما يفتح الطريق أمام مسار آخر ظل على الدوام يعملون عليه ألا وهو الاستمرار في نهب الأرض الفلسطينية وتهويدها وإلغاء قضايا الحل النهائي كالقدس والحدود وعودة اللاجئين، كما أننا أمام عودة أسطوانة الدعاية للاحتلال الإسرائيلي بأنه “لا يوجد شريك فلسطيني” يمكن التحاور والتفاوض معه.
إن الفشل الأميركي في إقناع المحتل الإسرائيلي ليس جديدًا، ولن يكون آخر فشل يلاحق الجهود الأميركية ما دامت السلبية المعهودة هي المتحكم في الموقف الأميركي ونظرته إلى لب الصراع العربي ـ الإسرائيلي وجوهر القضية الفلسطينية، حيث الهدف من الجهود الأميركية ليس إنصاف الجانب الفلسطيني وتحقيق العدالة، وإنما هو تحقيق الشروط والأحلام للاحتلال الإسرائيلي على حساب أصحاب الحق الفلسطينيين وإلحاق الحيف بهم.
ولما رأى كيان الاحتلال الإسرائيلي هذه الحقيقة بارزة أمامه لم يقف عند حد عدم مبارحة موقفه المتمثل في الاستمرار في نهب الأرض الفلسطينية ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، ورفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الحرة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بل أخذ يتمادى في الشروط والابتزاز، فيقفز في كل مرة عن جميع ما طرحه جون كيري من أفكار سابقة ولاحقة وآخرها “اتفاق الإطار” إلى ما يسمى “يهودية الدولة”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف تتفق المطالبة بالاعتراف بما يسمى “يهودية الدولة” قبل مجرد الاعتراف بالخطوط العريضة للتسوية النهائية المتعلقة بالحدود والأمن ووضع القدس ومصير اللاجئين والأسرى والتي يحدد خطوطها العريضة ـ حسب كيري ـ “اتفاق الإطار”؟ أليست هذه إحدى المراوغات التي اعتاد عليها كيان الاحتلال للتملص من أي استحقاق؟
في الحقيقة إن الوجه المقابل لفشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في نجاح المفاوضات، ليس فقط نجاح كيان الاحتلال الإسرائيلي في تدوير القضية الفلسطينية في دوائر جديدة ليستمد بذلك مزيدًا من الوقت حتى ينتهي من رسم أبعاد الصورة التي يريد أن يفرضها على المفاوض الفلسطيني، وإنما الاحتكار الأميركي والسلبية في الموقف الأميركي تمثل معضلة حقيقية أمام حل الصراع، ما يفرض بقوة العودة بملف الصراع إلى أروقة الأمم المتحدة، وهذا ما يجب أن تعمل عليه السلطة الفلسطينية التي من الواجب على العرب دعمها في ذلك بالتكفل بالدعم المالي حتى لا تكون عرضة للابتزاز الأميركي بقطع المساعدات المالية عنها.