مع توسيع كيان الاحتلال الإسرائيلي جرائم حربه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوالي الشعب الفلسطيني تقديم البراهين ليس على صموده واستبساله أمام آلة الحرب والإرهاب والاستيطان الإسرائيلية فحسب، وإنما على مدى قدرته في اجتراح وسائل جديدة يقاوم بها هذه الآلة الحربية المتوحشة والتي تزداد كل يوم وحشيةً وإجرامًا، وليؤكد أنه يدافع عن أمة العرب والإسلام من خلال النضال من أجل انتزاع حقوقه.
إن الشعب الفلسطيني وهو يناضل بوسائله الأقرب إلى البدائية التي تذكرنا بالإنسان في العصر القديم واستخدامه للآلات القديمة كالحجر والمقلاع، إنما يحكي قصة من قصص التاريخ، ويسرد موعظة من مواعظه من خلال الصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين العدل والظلم، وعدم استسلامه أمام ظلم طغاة العصر وبغاته، حيث تحول كل شيء ضده، حتى من كانوا بالأمس يحسبهم إلى جواره إما تخلوا عنه وتخندقوا في خندق عدوه، وإما خلعوا أوتاد خيامهم ورحلوا باحثين عن لذات الدنيا والتمتع بفتات ما يرميه عليهم حلفاء عدوهم وداعموه.
بالأمس كان الحجر والمقلاع بيد المقاوم الفلسطيني، واليوم يضم السكين إلى مقلاعه ليدفع ظلم الأعداء عن نفسه وعرضه وأرضه وكرامته، وليضع حدًّا لظلم ذوي القربى الذي هو أشد مرارة من ظلم العدو، وحين يلجأ المقاوم الفلسطيني إلى البحث عن وسائل جديدة كالإضراب عن الطعام ليوصل صوته صوت الحق علَّ هناك آذان في هذا العالم الذي تحول إلى غابات من الظلم والوحشية وإلى قوانينها تسمع وتستمع لهذا الصوت بأن المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني هي معركة وجود وليس معركة حدود.
وبالأمس مرت ذكرى يوم الأسير وهي معركة وطنية لا تنفصل عن معركة الأرض، فالأولى لاستعادة الحياة والحرية، والثانية لاستعادة حق شرعي مغتصب، وعودته عودة للكرامة والعزة والشرف. ففي السابع عشر من أبريل من كل عام يحيي الشعب الفلسطيني على امتداد أراضيه المحتل منها وغير المحتل ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، مطالبًا بإطلاق سراح كافة الأسرى وتبييض سجون الاحتلال الصهيوني، ووضع حد لانتهاكات الاحتلال بحق الأسرى حيث بدا النضال الفلسطيني في أروع صوره وأبدع تجلياته بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والعمل على تعريته وتعرية مدَّعي الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، سواء من داخل سجون الاحتلال الصهيوني الضيقة، أو داخل السجن الكبير في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بنقل جرائم الحرب الصهيونية للعالم أجمع عبر صورة إنسانية تجسد المعاناة الإنسانية وظلم الإنسان للإنسان، وسيادة شريعة الغاب في هذا العالم الذي يدَّعي الحرية والعدالة والديمقراطية حين يتعلق الأمر بكيان محتل غاصب التصق في جسد الأمة العربية كالعلقة يمتص دماءها، حيث تغيب كل الشرائع وتداس القوانين الدولية بالأحذية، وتدس المنظمات الدولية والحقوقية رأسها في الرمال، مفضلةً الصمت، ومرتدية أقنعة النفاق والممالأة حين لا ينعقد لسانها في سبيل الدفاع عن الظلم والاحتلال الإسرائيلييْن، مع أن صمتها يكون أفضل وأدعى من مفاقمة المعاناة ومضاعفة الآلام. إنها صورة ولا أروع يرسمها الفلسطينيون في ذكرى يوم الأسير بتلاحمهم ليضعوها وصمة عار في جبين من يتشدقون بالحرية ويدَّعون كذبًا الدفاع عن حقوق الإنسان ويحركون أساطيلهم، ويحرضون ويؤلبون ضد الدول المستقرة ويزعزعون عروشها بادعاء نصرة شعوبها وتصدير الحرية والديمقراطية إليها، لتأتي فلسطين التاريخ، والقضية الفلسطينية لتضع حدًّا للأكاذيب والادعاءات وتبين الخيوط البيضاء من الخيوط السوداء، بل وتفضح العملاء والخونة والمتاجرين بدماء الشعوب العربية وبحقوقها وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.