الصناعة من أهم القطاعات التي يعول عليها في رفد الاقتصاد الوطني، كونها من أكثر القطاعات التي توفر فرص عمل، وتساهم مساهمة حقيقية في تعزيز الناتج القومي، ونموها يؤدي لزيادة الصادرات وتقليل الواردات، وشهد قطاع الصناعة العماني دعماً قوياً وتشجيعاً حكومياً منذ انطلاق مسيرة النهضة المباركة ولطالما أشار جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ في أكثر من مناسبة لأهمية الصناعة في تنويع مصادر الدخل وإحداث التنمية المستدامة، وتقليل الاعتماد على النفط.
ولكن بعد مرور عقود من انطلاق مسيرة الصناعة العمانية، نجد المردود أقل من المأمول والتوقعات، والنمو أقل من المستهدف، مما يطرح تساؤلات عن أسباب التراجع؟! هل هو قلة الاهتمام الحكومي، أم فتور حماس رجال الصناعة وتردد القطاع الخاص العماني في الاتجاه للصناعات الثقيلة والمتوسطة والاكتفاء بالخطوات الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع التي قطعتها الصناعة العمانية في السنوات الماضية، فلن يفيد الاقتصاد الوطني التصارع على صناعة الحلوى ولا الصناعات الخزفية، والتوسع في صناعة السلع الاستهلاكية سريعة الربح قليلة التكلفة، والتي تشغل أيدي عاملة وافدة، وكثير منها لا يستوعب الا عددا قليلا جدا من اليد العاملة الوطنية، ولا تحقق قيمة مضافة للاقتصاد القومي يعتد بها ولا تدخل تكنولوجيا حديثة ولا تضيف خبرات لقطاع صناعي وفرت له الدولة كثيراً من الإمكانيات اللوجستية والحوافز المادية والعينية، من مناطق صناعية غطت معظم محافظات السلطنة وزودتها بالمرافق والخدمات اللازمة لممارسة كافة الأنشطة الصناعية، ومصادر تمويل متعددة وميسرة، سواء عن طريق البنوك التجارية، أو الصناديق الحكومية التي لا تتوانى عن تقديم الدعم والإقراض للمشروعات الصناعية الجادة.
ربما يتحجج البعض بالبيروقراطية التي تقف حجر عثرة أمام المستثمر العماني والشريك الأجنبي والروتين الحكومي الذي يؤدي لهروب المستثمر الأجنبي، رغم التأكيد الحكومي المستمر على سياسة الشباك الواحد وتشجيع المشاريع الصناعية وإزالة المعوقات عن طريقها، وهو ما أدى لزيادة عدد التصاريح الصادرة للمنشآت الصناعية في العام المنتهي 2015م، وفق بيانات السجل الصناعي بوزارة التجارة والصناعة، حيث بلغت 843 ترخيصاً مقارنة بـ 754 تصريحاً في 2014م، وإن انخفضت قيمة الاستثمارات الصناعية من حوالي 10مليارات ريال في 2014م إلى 9.4مليار في 2015م، رغم جهود وزارة التجارة والصناعة لتوطين الصناعات المختلفة وتقديم الحوافز وتشجيع الاستثمار في القطاع الصناعي.
علينا أن نغير فكرنا، ونوقن بأن الصناعة الثقيلة هي الطريق الحقيقي لتحقيق التنمية المستدامة، وأنها الأداة لبناء اقتصاد راسخ قادر على المنافسة والصمود في وجه الأنواء والتغيرات السعرية للمواد الخام، التي تحتم المصلحة الوطنية أن نتوقف عن تصديرها، بل ندخلها في الصناعات التحويلية والبتروكيماوية لنستفيد من فرق السعر ونسعى لتحويل السلطنة لمركز عالمي للصناعات بمختلف أنواعها، ولا شك أن تأسيس شركة معادن عمان مؤخرا سيشكل رافعة قوية في هذا الاتجاه.
علينا أن نثق في سواعد شبابنا وقدرتهم على العمل والإنتاج وخدمة وطنهم، فالسواعد العمانية التي شيدت القلاع والحصون قديما، وصنعت مجد عمان في مجال الصناعات البحرية، قادرة على صنع الحاضر وبذل الجهد والعرق من أجل غدٍ مشرق ومستقبل زاهر لعمان، هذا الشباب يحتاج إلى تغيير في مناهج التعليم، بغرس قيمة العمل اليدوي والتوسع في التعليم التقني والهندسي، نحتاج لشباب يترك المكاتب المكيفة والوظيفة الحكومية المملة ويتجه للعمل في المصانع.
شباب يرتدي البدلة الزرقاء ويسعى للعمل بجد ومثابرة، يتقن فنون الصناعة ويتعرف على التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، يسعى لمعرفة الجديد والمفيد بالاحتكاك والتدريب والاطلاع والمعرفة، يبذل كل ما يملك من أجل رفعة وتقدم عمان.