تواصل عمان التضرع إلى الله سبحانه وتعالى وذرف دموع الحزن والأسى على مصابها الجلل بفقدها باني نهضتها الحديثة جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ وستواصل هذا التضرع ورفع أكفها للمولى جلت قدرته بأن يتقبل هذا الرمز الخالد في وجدانها، والعزيز عليها والغالي لديها، ويتولاه برحمته الواسعة ومغفرته الشاملة، وينزل منازل الأبرار والصالحين مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
إن ملازمة عمان الدعاء لباني نهضتها الحديثة المغفور له بإذن الله تعالى هو عهد قطعته على نفسها ارتبط ارتباطًا أبديًّا بما تقاسمته معه من حب ووفاء وإخلاص وتلاحم وتكاتف وتفانٍ، كيف لا؟ وقد بعث الله رجل الحكمة والسلام والتسامح والسياسة والتدبير ليعمر أرض عمان، ويخرجها من العزلة والظلام مخاطبًا أبناءها الأوفياء بكل ثقة وعزم وإرادة وصدق “كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي” و”كانت عمان بالأمس في ظلام، ولكن بعون الله غدًا سيشرق فجر جديد على عمان وأهلها”.. وهذا ما تحقق، وما كان كذلك لولا الإخلاص والتفاني والمحبة والتضحية والإرادة والصدق والوفاء بالوعد بين جلالة القائد ـ رحمه الله ـ وأبنائه الأوفياء صانعين من خلال ذلك ملحمة وطنية قادت إلى بناء هذا الوطن الشامخ بمؤسساته ومكتسباته، وبفضل من الله وتوفيقه أصبحت عمان ذات شهرة وقوة، وأشرق عليها فجر جديد أعاد إليها ألقها ودورها وتأثيرها الحضاري والتاريخي وتواصلها مع الحضارات والأمم، وجعلها محل الحكمة والسلام، ومحجة للعالم أجمع، وتفاعلت مع محيطها العربي ومع العالم، وأسهمت بكل قوة وعزم وصدق وإرادة مع المجتمع الدولي في إرساء ركائز الأمن والسلم، وأسهمت في نشر القيم والمبادئ والتسامح ونبذ التطرف والغلو، وأعلت من شأن التآلف الإنساني، والتسامح الديني، وواكبت القضايا والملفات الشائكة بدعم الأطراف الطالبة للحكمة والمشورة والمساعدة العمانية، ودعمت المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، ووقفت إلى جانبها من أجل خدمة الأمن والاستقرار والسلم في العالم، والتأكيد على أهمية أن تتركز الجهود الدولية في هذا الاتجاه، وقضايا التنمية ووقف الحروب ووقف إراقة الدماء والخراب والدمار، والنظر إلى الأدوات السلمية التي تصلح ولا تهدم، عبر الحوار والحكمة وتغليب لغة العقل والمنطق على لغة القوة، مع إيمان عمان العميق بأهمية أن تنصف الشعوب المظلومة وتستعيد حقوقها المغتصبة، وتنعم بالأمن والسلم والاستقرار في أرضها، ويأتي في مقدمة هذه الشعوب الشعب الفلسطيني الذي لا تزال تقف السلطنة معه بكل قوة، وتبذل كل جهد ممكن من أجل يتمتع الشعب الفلسطيني بكامل حقوقه على أرضه، وذلك بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق السلام، وضرورة نزع فتيل التوتر في المنطقة.
لذلك، حين تبكي عمان رمزها الخالد وباني نهضتها الحديثة جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ وحين يبكي العالم ويواصل سرد مناقبه ومآثره ومواقفه المبنية على الحكمة والتسامح والعقل والمنطق والتسامح إنما يبكي قامة ومتكأ وظهيرًا وسندًا شامخًا، بعثه الله لأجل عمان وتنميتها، ولأجل خدمة الإنسانية والسلام والتسامح والاستقرار، فهو لم يأتِ من أجل السلطة، هذا هو قابوس بن سعيد بن تيمور ـ رحمه الله ـ حين يترجل عن صهوة المجد يبكيه العالم أجمع، وتنكس الأعلام ويعلن الحداد.
رحمك الله يا سلطان القلوب، ورحمك وغفر لك، وطيب ثراك، وأسكنك فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
المصدر: اخبار جريدة الوطن