لا خلاف على أن الأزمات الغذائية والمائية والاقتصادية أحدثت آثارًا هائلة على البلدان النامية في العالم والتي تعتمد على الواردات ولا تزال تتجرع مرارتها، ما يمثل عائقًا أمام الجهود التي تقودها المنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” لتحقيق الهدف الإنمائي للألفية الذي يرمي إلى تخفيض نسبة الجوعى بحلول عام 2015م، وحسب “فاو” فإنه حتى لو تحقق الهدف الإنمائي بحلول العام المذكور، فلا يزال هناك مئات الملايين في البلدان النامية يعانون من نقص التغذية. وقد دق البنك الدولي أمس ناقوس الخطر للتحذير من هدر المواد الغذائية الذي بات يهدد الأمن الغذائي “تهديدًا خطيرًا”، حيث إن “ملايين الأشخاص في العالم ينامون كل ليلة وهم يتضورون جوعًا، في حين ترمى ملايين الأطنان من المواد الغذائية أو تتلف قبل تسويقها”، كاشفًا في تقرير له عن أسعار المواد الغذائية أن نسبة تتراوح بين ربع الأغذية المنتجة كل سنة وثلثها تذهب هدرًا في مرحلة ما من مراحل سلسلة الإنتاج.
إن الأمن الغذائي يعد من القضايا الحيوية والاستراتيجية التي تتصدر اهتمامات الدول بما يمثله من هاجس كبير وموضوع ساخن لا سيما لدى الدول النامية التي تواجه تحديات متعددة في سبيل توفير الغذاء لمواطنيها، كما تلقى قضية الأمن الغذائي اهتمامًا كبيرًا من قبل المنظمات العربية والإقليمية والدولية. وينبع تحدي الأمن الغذائي من مرتكزات تتطلب حضورها وتوفرها لتحقيقه، من إتاحة الأغذية والوصول إليها دون معوقات، وتوفر إمدادات الغذاء وبصورة كافية ومستقرة واستخدام الأغذية.
وتتضافر اليوم جهود العديد من الدول من أجل التغلب على هذا التحدي وتأمين الغذاء لشعوبها، واستشعارًا منها لأهميته أخذت الدول والمنظمات ذات العلاقة ببلورة استراتيجيات وطنية خاصة بالأمن الغذائي، وتعد السلطنة واحدة من الدول التي أولت الأمن الغذائي أهمية قصوى، وعنيت به أيما عناية، حيث كرست جهودها على مستويات عدة داخليًّا وخليجيًّا وإقليميًّا ودوليًّا في سبيل تحقيق هذا المسعى الوطني. وحرصت السلطنة على التعاون الوثيق مع المنظمات الدولية وخاصة مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، وتفعيل هذا التعاون انطلاقًا من تقاسم الاهتمام مع المنظمة حول أهمية حصول الناس على حقهم في الغذاء والماء والحياة الكريمة، وأهمية محاربة الجوع والفقر والمرض والجهل.
وفي كلمتها التي ألقاها سعادة الدكتور أحمد بن ناصر البكري وكيل وزارة الزراعة والثروة السمكية خلال الاجتماع الوزاري للدورة الثانية والثلاثين لمؤتمر منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى الذي بدأ أعماله أمس في العاصمة الإيطالية روما ويستمر يومين، عبرت السلطنة عن تقديرها للمساعي الحميدة التي تبذلها الأمم المتحدة في مجال دعم مقومات السلام بين الشعوب والتصدي لمعضلات الفقر والمرض والجوع، والدور الفاعل الذي تضطلع به لمعالجة العديد من القضايا والتي على رأسها ندرة المياه والأمن الغذائي ومكافحة الفقر والنهوض بالقطاع الزراعي في كافة دول العالم، مؤكدة في كلمتها تبنيها استراتيجية عامة للتنمية في البلاد كان من أهم أهدافها تنويع مصادر الدخل بدلًا من الاعتماد على الاقتصاد النفطي، وذلك من خلال إحداث تنمية شاملة لقطاعات الاقتصاد الأخرى ومنها قطاعا الزراعة والثروة السمكية. ولتحقيق التنمية المنشودة لهذين القطاعين وضعت وزارة الزراعة والثروة السمكية الخطط الخمسية المتعاقبة والتي تبنت سياسات وبرامج استهدفت تنمية الموارد الزراعية. وبفضل الدعم المستمر الذي حظي به القطاع الزراعي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي يحيط هذا القطاع برعايته واهتمامه المتواصل حتى أصبح من القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد الوطني، تعكف السلطنة حاليًّا على إعداد استراتيجية شاملة لتنمية القطاع الزراعي حتى عام 2040م بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، حيث تتضمن الاستراتيجية أيضًا إعداد خطة برنامج استثماري ومن ضمن بنود الاستراتيجية دراسة النظم الزراعية القائمة وتحديد حجم الفاقد لكل نظام متبع متعلق بإنتاج محاصيل نباتية ومنتجات حيوانية انطلاقًا من ارتباط حجم الفاقد والهدر بالنظم الزراعية التقليدية القائمة، وأن العمل على تحديث هذه النظم وتطويرها من خلال التوظيف التقني وتطبيق حزم متكاملة سيلعب دورًا جوهريًّا في إقلال الفاقد والهدر، ولإنجاح جهود منظمة الفاو الإقليمي للشرق الأدنى أيدت السلطنة مبدأ لا مركزية المكاتب الميدانية لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو” لتكون أكثر فاعلية بحكم اقترابها من الميدان، الأمر الذي يسهل إعداد الخطط التنفيذية القطرية وتناسقها مع المبادرات الإقليمية بما يؤمن فاعليتها على أرض الواقع، مؤكدة أهمية دعم تلك المكاتب بالخبرات والكوادر الفنية ومنحها المرونة والصلاحيات في اتخاذ القرارات لتخفيف العبء على المكتب الإقليمي في القاهرة ومقر المنظمة في روما، كما أكدت السلطنة اتفاقها مع التوجه الخاص بتحسين كفاءة السلسلة الغذائية.
إن الحاجة إلى الاستثمار في الزراعة من أجل تحقيق الأمن الغذائي على نحو مستدام وإيجاد آليات ووسائل كفيلة بمنع أو الحد من الهدر الغذائي أصبحت ملحة، وتتطلب من الدول المنتجة أن تتخلى عن سياساتها الاستعمارية والمنافية للمبادئ الإنسانية ولحقوق الإنسان.