مرة أخرى يحاول كيان الاحتلال الإسرائيلي وبطرقه الملتوية المعروفة وحججه الواهية القفز على الحقائق الثابتة بأنه كيان احتلالي يمارس القفز على الشرعية الدولية والتمرد على القرارات التي تدين ممارساته العنصرية وتجرم سياسته الاستيطانية. ورغم إدراك هذا الكيان الغاصب أن ممارساته هذه مكشوفة ومفضوحة، فإنه ما برح في صد مسامعه عن صوت الشرعية وانتهاك الإرادة الدولية، واعتبار أن ما يقوم به من جرائم حرب وسياسات عنصرية هو في الأساس لحفظ أمنه وحماية عصابات مستوطنيه، فإن عليه أن يدرك أن جلب الأمن والسلام لا يتحقق بالممارسات العدوانية والسياسة الاستيطانية، وإنما بالارتكان إلى السلام وتطبيق قوانين الشرعية الدولية، والعودة إلى طاولة المفاوضات، والبحث بجدية عن الطرق المؤدية إلى تطبيق عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والكف عن الممارسات العدوانية والعمليات الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق الأمن والسلام الذي يزعم كيان الاحتلال الإسرائيلي أنه يسعى إليه.
ففي الوقت الذي تتواصل فيه الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والنيل من المسجد الأقصى بمحاولة هدم أساساته وتقسيمه مكانيًّا وزمانيًّا، وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات السلطة الفلسطينية الملوحة بالذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية وتقديم ملف جرائم الحرب الإسرائيلية إليها، واتخاذ الاتحاد الأوروبي موقفًا من منتجات المغتصبات والمستعمرات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين وهضبة الجولان السوري المحتل، بوضع علامة مميزة عليها، في هذا الوقت لا يجد كيان الاحتلال الإسرائيلي حجة لتبرير خروجه عن الشرعية الدولية سوى محاولة الارتكان إلى أساليب المراوغة والكذب والنفاق واللعب بالألفاظ، والإيهام كذبًا وزورًا أنه يسعى إلى المفاوضات، إلا أنها متعذرة بسبب “التعنت” الفلسطيني، طارحًا شراكه الخادعة على لسان رئيس حكومته المتطرف بنيامين نتنياهو غداة لقائه الرئيس باراك أوباما من بينها قبول نتنياهو حل الدولتين “بشرط أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ويعترف الفلسطينيون بـ”يهودية إسرائيل”، وكذلك حديثه عن إمكانية الانسحاب الأحادي من بعض أجزاء من الضفة الغربية في ظل توقف المفاوضات وتعثرها. فزعم نتنياهو قبوله حل الدولتين واضح أنه كذب محض يريد من ورائه فقط من الجانب الفلسطيني دعم الأحلام التلمودية العنصرية بالاعتراف بما يسمى “يهودية الدولة” ليكون هذا الاعتراف صكا لتفريغ أرض فلسطين المحتلة من الفلسطينيين والعرب أصحابها الحقيقيين. وأما الحديث عن الانسحاب الأحادي من بعض أجزاء من الضفة فهو نصب والتفاف واضحان على حدود عام 1967، وشرعنة المستعمرات الكبرى التي بنيت بصورة غير قانونية. كما أن هذه المزاعم والأحاديث بالنظر إلى توقيتها وظروفها تخلو من أي مصداقية، حيث جاءت في ظرف اللقاء مع أوباما والحاجة إلى ترطيب الأجواء بينهما، ومتزامنة مع خطوة الاتحاد الأوروبي بوسم منتجات المستعمرات، وبالتالي لن يعدو كل ما قاله نتنياهو عن الاستهلاك الإعلامي وذر الرماد في العيون.
وإذا كانت واشنطن والاتحاد الأوروبي قد باركا السياسة العدوانية الإسرائيلية، فإن الكثير من الدول والشعوب قد أدركت حقيقة هذه السياسة، ولم تنطوِ عليها افتراءات “حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها” ومواصلة جرائم الحرب والإرهاب تحت هذا الشعار، وإذا ما أرادت الولايات المتحدة وأوروبا للسلام أن ينتصر ولصوت الحق أن يعلو وللشرعية أن تأخذ مجراها وتواصل مسارها، فيجب أن تتخليا عن سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير، وتبني رؤية مشروع الاحتلال الإسرائيلي على الدوام.