المبادئ التي خرج بها لقاء موسكو التشاوري التمهيدي في ختام أعماله التي استمرت أربعة أيام، يمكن أن تشكل أرضية مناسبة للحل السياسي والحوار السوري ـ السوري إذا ما توافرت الإرادة لدى جميع الأطراف وأكدت المعارضة الوصف الذي توصف به بأنها “معارضة وطنية”. فهذه المبادئ بمثابة كوة في الجدران المسلحة من الحديد والإسمنت ونار الإرهاب والفتن والفوضى والدمار والخراب والتهجير والتشريد والحصار الاقتصادي الظالم والتي أقامها معسكر التآمر والعدوان لمحاصرة سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها.
وما يعطي هذه المبادئ قيمتها ويجعلها محكًّا حقيقيًّا للمعارضة التي تسمي ذاتها بأنها “معارضة وطنية” أو تلك التي نصبها أسيادها المشكلون لمعسكر التآمر والعدوان على سوريا، هو أنها جاءت في وقت انكشفت فيه كل الأحجية وجميع الأطراف المتآمرين بمن فيهم الطرف الأصيل وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي، وكل العملاء والوكلاء، ولم يبقَ شيء لم تأتِ عليه شمس الحقيقة، ولم تفضحه وقائع الأحداث. ولعل الموقف من حالة التلاقي والعلاقة العضوية التي ظهرت إلى العلن وبهذه الصورة المفضوحة بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والعصابات الإرهابية المسلحة التي تزعم كذبًا وزورًا أنها تدعم الشعب السوري، كفيل هو الآخر بإعطاء الفرز بين الحق والباطل والخير والشر والصدق والكذب، وبين من يقول إنه سوري وطني، وبين من يتحالف أو يناصر أو يشكل بيئة حاضنة لهذه العصابات الإرهابية المسلحة المتحالفة مع الصهيونية العالمية المعادية للأمة العربية والإسلامية وليس لسوريا أو العراق أو مصر وحدها، حيث كان لافتًا دخول الطرف الأصيل على خط المؤامرة بالعدوان الإرهابي تكرارًا ومرارًا على سوريا وعلى المواقع العسكرية والحساسة للجيش العربي السوري، من أجل تقديم الدعم اللازم لهذه العصابات الإرهابية المسلحة المتحالفة معه، ولأجل رفع معنوياتها المنكسرة وهزائمها المتوالية نتيجة الضربات الموجعة التي يوجهها لها الجيش العربي السوري، كما كان لافتًا طبيعة الاستهداف الذي تقوم به هذه العصابات الإرهابية المسلحة وذلك بتدمير منصات الرصد ومحطات الإنذار ومنصات الرادارات واستهداف المطارات العسكرية، والمصانع وحقول النفط والغاز وأنابيب نقلهما، وحرق المزارع وتهجير المواطنين السوريين وترويعهم، ونهب كل ما يقتاتون منه ويقاومون به ضنك الحياة، وما يحتمون به مما فرضه عليهم المتآمرون من إرهاب وموت مجاني، ما يؤكد أن هذا هو عمل تآمري عدواني يقف وراءه متآمرون وأعداء وحاقدون على سوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً، وأن لا علاقة بينه وبين المطالب المشروعة التي لا تتحقق بالإرهاب والعنف والقتل والتشريد والتحريض والتشويه والحصار والدمار والخراب، وتأييد الإرهاب وعصاباته وتأييد المتحالفين معها وداعميها وإقامة بيئات حاضنة لها.
لذلك فإن المبادئ التي أنتجها لقاء الوفد السوري والمعارضة والتي من بينها الحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتجلياته، وتسوية الأزمة بالوسائل السياسية السلمية على أساس توافقي انطلاقًا من مبادئ بيان مؤتمر جنيف الأول، ورفض أي تدخل خارجي في الشؤون السورية وأي وجود أجنبي مسلح، والحفاظ على الجيش والقوات المسلحة كرمز للوحدة الوطنية وعلى مؤسسات الدولة وتطويرها، فإن هذه المبادئ تمثل محطة في مسار طويل من الحل، لكن مشوار الألف ميل ـ كما يقال ـ يبدأ بخطوة، ومن سار على الدرب وصل، إذا ما توافرت الإرادة الحقيقية والمصداقية لدى المعارضة وأثبتت أنها وطنية حتى النخاع، وتخلت عن مماحكاتها واصطفافاتها المعطلة والمعرقلة، وبرهنت على رفضها الإرهاب والعنف والوسائل غير السلمية في توصيل المطالب المشروعة وتحقيقها.