كغيرها من جلسات مجلس الأمن الدولي التي تنتهي بفيتو أميركي، أو بتعطيل أميركي لصدور بيان يدين الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية، انتهت الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الأوضاع في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس والأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية الأخيرة بما فيها قرار إنشاء 1000 وحدة استيطانية جديدة في رمات شلومو وجبل أبو غنيم قرب القدس الشرقية، دون بيان صحفي أو بيان رئاسي.
وفي الحقيقة إن هذه الجلسات ونهاياتها لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها لم تعد مثار اهتمام كبير بالنسبة للشعوب العربية وخاصة حين تتناول المنظمة الدولية ومجلس أمنها القضية الفلسطينية تحت إلحاح الواقع وضغط جرائم الحرب التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي صباح مساء، فالمواطن العربي عامة والمواطن الفلسطيني خاصة أضحى من القناعة بمكان أن مجلس الأمن الدولي بالتحديد مصاب بالعديد من الأمراض تتفاوت بين العضوية والسلوكية كالعمى والصمم والبكم والهزال والنفاق والدجل، ولا تظهر أعراض هذه الأمراض دفعة واحدة إلا حين يتعلق الأمر بالصراع العربي ـ الإسرائيلي ووضع القضية الفلسطينية القديمة المتجددة والساخنة على طاولته، حيث يبدأ المجلس مرحلة الشعور بفقدان الشهية وعسر الهضم والارتعاش وضعف الرؤية، والتلعثم عن النطق بالحق والحقيقة، ولكن حين يتعلق الأمر بمشروع استعماري أو تحريضي ضد دول المنطقة تختفي جميع تلك الأعراض والأمراض.
ففي افتتاح جلسة مجلس الأمن العتيد قدم وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان تقريرًا حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس المحتلة أكد فيه أن الأنشطة الاستيطانية التي يقوم بها كيان الاحتلال الإسرائيلي لا تخدم عملية السلام وتعتبر مخالفة للقانون الدولي. إلا أنه ورغم هذا الاعتراف الذي يصل إلى درجة الإيمان العميق، عاد فيلتمان إلى عهده القديم انطلاقًا من سياسة بلاده تجاه حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، بممارسة الدجل والنفاق كحالة ثابتة وسلوك متأصل، وذلك حين أشار إلى أن “مشروع القرار الذي ستتقدم به القيادة الفلسطينية لمجلس الأمن لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال لا يشكل بديلًا للمفاوضات المباشرة واتفاق الطرفين الأساسيين على الخطوة القادمة فكل خطوة أحادية الجانب لا تخدم عملية السلام”.
إذًا، ليس هناك استعداد أميركي أولًا، ولا لدى مجلس الأمن الدولي ثانيًا لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولا لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه لاستعادة حقوقه المسلوبة، ويبدو الموقف الأميركي كحاله متراصًّا ملازمًا متوافقًا مواكبًا منحازًا للموقف الإسرائيلي بتبني المفاوضات خيارًا أوحد لتعطيل أي تحرك فلسطيني أو دولي لحل القضية الفلسطينية، فالأميركي والإسرائيلي يريدان قطع عنق أي جهد بسيف المفاوضات التي ثبتت تاريخًا وعرفًا منذ اتفاقيات أوسلو أنها عبثية وعقيمة يتم توظيفها لإلهاء الفلسطينيين وخداع الرأي العام العالمي لكسب المزيد من الوقت لتغيير الوقائع على الأرض بمصادرة المزيد من الأرض الفلسطينية عبر آلة الاستيطان والتهويد حتى تصفية القضية برمتها. ولذلك يجد كيان الاحتلال الإسرائيلي في مثل هذه المواقف ضوءًا أخضر لمواصلة ارتكاب جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني وأرضه وضد المقدسات الإسلامية، فالانتهاكات الإسرائيلية المدانة والمجرمة بحق المسجد الأقصى ومدينة القدس والمتواصلة من قبل قطعان المستوطنين وبتشجيع وحماية من حكومة الاحتلال والإقدام على إغلاقها المسجد تتكئ على النفاق والانحياز الأعمى الضاربيْنِ أطنابهما في المؤسسات الدولية وأروقة القرار الأميركية والأوروبية، وعلى فظاعة الحال الذي وصل إليه العرب أنظمةً وشعوبًا بتدمير ذاتهم بذاتهم لصالح أعدائهم.