تنتقل القضية الفلسطينية من محطة إلى أخرى من محطات التصفية التي وضعها كيان الاحتلال الإسرائيلي بالتعاون مع حلفائه الاستراتيجيين منذ اغتصابه أرض فلسطين وحتى اليوم، ولا يبدو في الأفق ما يوقف قطار التصفية الذي تسلكه القوى الكبرى المتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، بل إن الأخطر في الأمر هو الانكشاف الأميركي على رؤوس الأشهاد، والأدوار التي ظلت تلعبها القوة العظمى طوال العقود الماضية مظهرة للعالم أنها راعية عملية السلام، وأنها ساعية إلى تحقيقه بين الفلسطينيين والعرب وحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، في حين أن كل ما كانت تقوم به يصب في خانة واحدة وهو خدمة الاحتلال الإسرائيلي، وتمكينه في عموم المنطقة، وترتيب أرضيتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية لهذه اللحظة الفارقة بين أدوار أميركية حرصت واشنطن على تغليفها بأغلفة خادعة عند كل مبادرة تعلنها بشأن ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
إن من يدقق النظر ويعمل فكره في كل ما أعلنته الولايات المتحدة من مبادرات ومؤتمرات حول عملية السلام لم يقدم خدمة واحدة للشعب الفلسطيني، ولم يُعِدْ له حقًّا واحدًا، بل على العكس تمامًا، فالشعب الفلسطيني بات في مساحة ضيقة جدًّا جدًّا من أراضيه؛ أي محصورًا في نسبة ضئيلة من مساحة أرض فلسطين وهي نسبة مما تبقى أساسًا من الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد كانت النظرة إلى اتفاقيات أوسلو على أنها البداية الحقيقية لانطلاق قطار السلام بين العرب والفلسطينيين وبين المحتلين الإسرائيليين، إلا أنها ـ وللأسف الشديد ـ لم تكن سوى البداية الحقيقية لتصفية القضية الفلسطينية، ونهب حقوق العرب والفلسطينيين، والمضي قدمًا في إقامة المستعمرة الكبرى المسماة “إسرائيل” والخاصة بالشعب اليهودي، وذلك بالمقارنة مع ما يحدث اليوم من انكشافات ومنعرجات تاريخية خطيرة على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، بدءًا من القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لهذه المستعمرة، والقرار الأميركي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، والاعتراف الأميركي بسيادة المستعمرة “إسرائيل” على منطقة الجولان السورية المحتلة، ثم التأييد الأميركي بالختم والرسم على ما أعلنه قادة المستعمرة عن عزمهم اغتصاب الضفة الغربية وغور الأردن ومدينة الخليل، والقائمة طويلة من الانكشاف الأميركي، حيث تمضي السكين الصهيو ـ أميركية لذبح الفلسطينيين اقتصاديًّا وماليًّا، وخصوصًا اللاجئين الفلسطينيين من خلال العمل على القضاء على دور وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وحرمان الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني من المعونات الغذائية والخدمات التعليمية والصحية التي تقدمها لهم الوكالة الأممية، حيث لم يكتفِ الأميركي بقطع التمويل عن “الأونروا” فحسب، وإنما تعدى ذلك ليصل إلى مطالبة الداعمين للوكالة بالامتناع عن مواصلة تقديم دعمهم، وما استقالة المفوض العام “للأونروا” بيير كرينبول إلا أحد أوجه الوسائل المتبعة للتخلص من الوكالة الأممية. وليفهم المواطن العربي والفلسطيني تحديدًا وبصورة أكثر عليه أن ينظر إلى خليفة كرينبول وجنسيته، الأمر الذي زاد المخاوف الفلسطينية من أن تكون هذه التطورات مقدمة لخطوات تصفوية قادمة، فكما هو معلوم أن القضاء على وكالة “الأونروا” يعني القضاء على ملف اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم لوطنهم فلسطين. لذلك على الفلسطينيين وهم يشاهدون محطات تصفية قضيتهم، والمنعرجات الخطيرة التي يعمل أعداؤهم على إدخال قضيتهم فيها أن يعيدوا بناء بيتهم الداخلي، وينهوا ما بينهم من خلافات وانقسامات، ويكونوا يدًا واحدة وكلمة واحدة في وجه أعدائهم، وإلا سيتمادى الأعداء في خطوات التصفية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن