على الرغم من حداثة التجربة العملية التي خاضتها الدبلوماسية العُمانية على المسرح الإقليمي والدولي وحتى الداخلي إلا أنها بقدر ما استلفتت أنظار الآخرين بقدر ما أثبتت أنها ضد أساليب الحيل والتحايل والابتزاز واصطناع المواقف بهدف الوصول إلى غايات تخدم المصالح الذاتية دون النظر إلى انعكاس هذه الآليات على الآخرين، وذلك لما نهضت عليه من مرتكزات سياسية حكيمة جعلت من التسامح والحوار الموضوعي وتغليب لغة السلام واحترام مصالح الآخرين حتى لو كانوا يختلفون في توجهاتهم أو أعراقهم أو عقائدهم أساسًا ومتكئًا لها، فعكست بالتالي الرؤية الحكيمة والموضوعية والعقلانية لواضع هذه المرتكزات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.
وبعيدًا عن الكلام الإنشائي، فإن المحطات التاريخية التي مر بها قطار سياسة الحكمة العمانية، هي التي أثبتت نجاحها ونجاعتها، وعكست عقلانيتها وموضوعيتها، وأثبتت بالتالي أن الساعين إلى الاستقرار والباحثين عن السلام الدائم والعادل والشامل يجب أن يتحلوا بقيم التسامح في إقامة العلاقات بين الدول، ولعل ارتفاع صوت العقل والحكمة والمنطق ولغة السلام والمناداة والدعوة إلى الحوار والتفاهم من قبل السياسة العمانية، سواء أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية أو حرب الخليج الثانية أو الثالثة، أوأثناء الأزمتين السورية واليمنية، كفيل كل ذلك بإثبات مصداقية السياسة العمانية وحكمة مرتكزاتها وموضوعيتها وعقلانيتها، حيث ظلت ولا تزال السلطنة تدعو جميع الأطراف المتنازعة إلى لغة الحوار والتفاهم، وحل الخلافات بالوسائل السلمية، لإدراكها المبكر بفضل الرؤية المستنيرة وبُعد النظر لقيادتها الحكيمة أن الحروب والنزاعات لا تنتج سلامًا ولا تُعيد حقوقًا، ولا تقيم سلامًا وأمنًا ولا تحقق استقرارًا ولا تنميةً، وإنما تجلب الويلات والخراب والدمار، وأثر ذلك على تعطل مصالح البشرية ودوره في إبادة الحياة الإنسانية، حيث الخراب والدمار لا يقتصر على الحجر والشجر، وإنما يمتد إلى البشر وتدمير الإنسان من جميع النواحي، ما يؤدي ذلك على مدى الزمان إلى ترسيخ العداء وغياب قيم التسامح والتفاهم وظهور الأحقاد والكراهيات، وانتشار مظاهر الجهل والفقر جراء استنزاف الخزائن والموارد على حساب التنمية، فكم من المليارات صرفت على تلك الحروب الآنفة الذكر؟ وماذا كان حال العرب والمسلمين علمًا وثقافةً وتقدمًا واستقرارًا وتنميةً لو كان الآخرون المتنازعون والمتحاربون استمعوا إلى صوت العقل والحكمة العماني بالابتعاد عن الوسائل غير السلمية في حل خلافاتهم ونزاعاتهم؟ ألا تكون اليوم إيران والعراق ودول الخليج والدول العربية ترتع في نعيم اقتصادي وتنمية شاملة؟ لماذا أصبحت اقتصادات هذه الدول تعاني من تراجع النمو وغياب التنمية؟ أوليس السبب في ذلك تفضيل بعض الساسة العرب الاستماع إلى الغربي والأجنبي الذي لا تهمه إلا مصالحه، والترفع عن الجلوس مع الشقيق والتحاور معه وإدارة ظهرهم للدعوات والمناشدات العمانية إلى كلمة سواء اسمها الحوار والتفاهم لحل الخلافات؟
إن لدينا أملًا كبيرًا في أن يتم الالتفات إلى تجربة السلطنة في السياسة الدولية واعتماد مرتكزات السياسة العمانية نهجًا لحل المشكلات بدلًا من لغة القوة والحروب التي لا تجلب سوى الخراب والدمار كما أثبتت التجارب وبعضها لا يزال ماثلًا من جهة، وتتخم بطون مصنعي وتجار السلاح على حساب إفقار شعوبنا من جهة ثانية، وكذلك اعتماد آليات التسامح والتفاهم والحوار واحترام مصالح الآخرين وبسط المعايير الأخلاقية والعدلية على نحو أوسع في تحركاتهم على مسرح السياسة الإقليمية والدولية، وإزاء هذا الأمل وتحقيقه تبدي السلطنة حرصها على مواصلة نهجها، ومشاركتها في اللقاءات والقمم التي يعقدها قادة دول مجلس التعاون بأمل أن تؤدي إلى تعزيز “مسيرة المجلس الهادفة إلى بلورة رؤية تساعد على التعاطي مع المستجدات التي تشهدها المنطقة وذلك حفاظًا على استتباب الأمن والاستقرار، وبأن تتفرغ الدول لمسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الرامية إلى إسعاد شعوبها” كما جاء في تصريح صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء لدى وصوله الرياض أمس للمشاركة في القمة الخليجية ـ المغربية، والقمة الخليجية ـ الأميركية.