كانت ولا تزال الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تقوم على بناء قدرات الإنسان العماني، وذلك إيمانا منه بأن التنمية الشاملة المستدامة تدور في فلك الإنسان، فهو الأداة والغاية؛ فمع احتفالنا بذكرى يوم النهضة المباركة الـ23 من يوليو المجيد، نجد أن المسيرة التعليمية في البلاد هي أحد عوامل بناء النهضة، فأهمية التعليم لدى جلالته ـ أبقاه الله ـ كانت الأولوية، لذا كانت الدعوة السامية المباركة لشعبه بضرورة التعليم ولو تحت ظل شجرة، والعمل على الاستزادة من العلم بذهن متقد، وهمم صلبة تعي دور التعليم في بناء الأوطان، فهو المنطلق الصحيح لكسب المعارف ونيل الخبرات والمهارات، وهو الأداة التي تمكن الأجيال المتعاقبة من الإسهام إسهاما فاعلا في خدمة وطنها ومجتمعها وتلبية متطلبات التنمية على بصيرة وهدى، والأخذ بيد البلاد بعيدا عن جهل رزحت فيه فترة طويلة، فكان قطاع التعليم نقطة الانطلاق في بناء النهضة الوطنية التي حدثت في العقود الخمسة الأخيرة.
إن المسيرة التعليمية في تاريخ البلاد الحديث تعد من النماذج المشرقة على مستوى العالم، فهذه الثورة التعليمية التي حدثت كما وكيفا، بدأت بدعوة قائد كان التعليم أهم ما يشغل باله وهو يراقب أوضاع البلاد، قبل بدء النهضة المباركة، لذا وفور تسلمه الحكم كانت توجيهاته السامية تهتم بالدرجة الأولى بنشر التعليم، وحمل راية التنوير العلمي، وجاهد هو وأبناء شعبه المخلصون، وشحذ الهمم نحو العلم النافع، وتم إنشاء المؤسسات التي تعنى بجوانب التعليم والبحث العلمي، بهدف تقديم أفضل المستويات التعليمية لأبنائنا وبناتنا وفق معايير الجودة العالمية، فتحول عدد المدارس من 3 مدارس كانت في البلاد عام 1970م إلى حوالي (1149) مدرسة حكومية و730 مدرسة خاصة في العام الدراسي الحالي، بالإضافة إلى 3 من مدارس التربية الخاصة، ويرتفع عدد الطلاب من من 900 طالب إلى أكثر 603 آلاف طالب وطالبة في المدارس الحكومية، و116483 بالمدارس الخاصة، بالعام الدراسي الحالي، يقدم لهم الخدمة التعليمية (56589) معلما ومعلمة.
ولم تكن النهضة الكمية وحدها هي نقطة قوة التعليم في البلاد في أعوامها الـ49 الماضية، بل توجهت السياسات المرحلية في قطاع التعليم نحو السعي المتواصل للارتفاع بمستوى جودة المخرجات التعليمية لتحقيق أهداف التنمية ومتطلبات سوق العمل، وتمكين الطلبة من المهارات والمعارف والكفايات التي تعينهم على التعامل مع الثورة الصناعية الرابعة بكل كفاءة واقتدار. أما الأجيال التي فاتها قطار التعليم فقد تم تجويد الخدمات المقدمة في برامج التعليم المستمر، حيث بلغ عدد مراكز تعليم الكبار(16) مركزا للعام الدراسي 2018/2019م، ضمت (55) شعبة بإجمالي (693) دارسا ودارسة و(312) معلما ومعلمة في الدراسة المنتظمة، كما بلغ عدد الدارسين الملتحقين بالدراسة الحرة (7394)، أي أن إجمالي عدد الدارسين في مراكز تعليم الكبار (8087) كما بلغ إجمالي مراكز تعليم محو الأمية (9) مراكز للعام الدراسي 2018/2019م وتحوي هذه المراكز (551) شعبة و(5636) دارسا ودارسة، و(653) معلما ومعلمة، ما كان له الأثر الأكبر في خفض معدلات الأمية.
ناهيك عن برامج الإنماء المهني والتي تهدف إلى رفع جودة الكوادر البشرية عامة والمعلم العماني بشكل خاص، وذلك من خلال توفير بيئة عمل جاذبة وتوفير التدريب اللازم للارتقاء بالمعلمين وتعزيز المعارف والمهارات اللازمة التي تصقل مسيرتهم المهنية، وبالتالي يؤثر إيجابا في جودة التعليم في ضوء النمو المعرفي السريع، وهي رؤية طموحة هادفة إلى تطوير كمي وكيفي لكافة أطراف المعادلة التعليمية، بهدف تحريج كوادر وطنية قادرة على استكمال مسيرة الآباء في مواصلة مسيرة النهضة المباركة، وأخذ دورهم التاريخي في مواصلة التقدم والرقي لهذه الأرض الطيبة، فالأبناء كالزرع إذا أحسنت الاعتناء به، زاد حصاده وعم خيره لأجيال الحاضر والمستقبل.
المصدر: اخبار جريدة الوطن