إن الموجات الإرهابية التي تستهدف المواطنين المدنيين والأمنيين وتدمر مصالحهم وتقض مضاجعهم في الدول العربية المصابة بداء “الفوضى الخلاقة” وكذبة “الربيع العربي”، ما كان لها أن تكون بهذه الصورة المفجعة لولا المناخ الدولي المواتي لتفريخ الإرهاب فيها، حيث استفادت التنظيمات الإرهابية من التحول الذي يشهده المجتمع الدولي وتحديدًا لدى بعض دوله وقواه في تأييد الإرهاب ودعمه وتأبطه سلاحًا لسفك دماء الأبرياء وترويع الآمنين وضرب استقرار الدول العربية ذات الدور المؤثر والثقل العربي، لدرجة أن تلك الدول والقوى الداعمة للإرهاب والمؤيدة له بلغت بها الصفاقة والصلافة أن تدافع عنه من على المنابر السياسية والإعلامية والمؤتمرات الدولية دون أدنى تورع أو وجل، وتعمل في الوقت ذاته على تهشيم وتشويه كل الوسائل الضامنة لاستقرار الدول المهدَّدة والمدمَّرة بالإرهاب، وهو ما أرسل رسائل متعددة إلى التنظيمات والعصابات التكفيرية والظلامية التي احترفت الإرهاب، أقل ما توصف به أنها ليست رسائل تأييد فحسب، وإنما رسائل تطمينات من أي مساءلة قانونية أو محاربة شرعية؛ أي ضوء أخضر بالاستمرار في سلوك هذه الطريق الإرهابية المجرَّمة شرعًا وقانونًا.
ولذلك ليس مصادفة أن تستيقظ القاهرة أمس على أربعة انفجارات إرهابية راح ضحيتها عشرات من الأبرياء المصريين بين قتيل وجريح، وإبطال مفعول كميات كبيرة من المتفجرات وفصل مصدر الطاقة عنها وإنقاذ منطقة السيدة نفيسة السكنية المكتظة بالسكان من كارثة محققة بعد رصد أجهزة الأمن لتحركات إحدى سيارات النقل والتي توقفت أمام مجموعة من العمارات السكنية، يقطن بعمارتين منها مجموعة كبيرة من أفراد الشرطة. فمصر بداية مستهدفة من خصومها ومطلوب إشغالها في نفسها بما يؤدي إلى تآكلها داخليًّا، لما تمثله من مكانة في قلب الأمة العربية ودور وازن في موازين الأحداث، ودور راجح في قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وبالتالي فإن استقرار مصر سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا، وتحسن الوضع المعيشي وتوفر الحياة الكريمة للشعب المصري يعني فاعلية دورها، وتطلع شعبها إلى نصرة قضايا أمته لعدم وجود ما يشغله معيشيًّا.
وعليه فإن إلقاء مصر في أفران الإرهاب وإدخال شعبها في أتون حرب أهلية أمر تفرضه قواعد اللعبة وفق الأحداث الجارية خاصة في كل من فلسطين ومفاوضات التصفية الحالية، وفي سوريا ومؤامرة تدميرها باعتبارها الخاصرة لمصر وأي نجاح في تدمير الخاصرة السورية يعني النجاح السهل للوصول إلى أُمِّ الدنيا، ولهذا فإن الأدوات المشغَّلة والمكلفة بتدمير الخاصرة السورية هي ذاتها التي يتم تشغيلها وتكليفها بضرب استقرار مصر وزعزعتها.
ومن الملاحظ أن هذه الأحداث الإرهابية المؤلمة في أُمِّ الدنيا جاءت بعد سويعات من تشييع خمسة من أفراد الشرطة المصرية اغتيلوا أمس الأول بدم بارد في إطلاق نار من قبل عناصر إرهابية، وقبل ساعات من الذكرى الثالثة لثورة الخامس والعشرين من يناير التي تصادف اليوم، في الوقت الذي يواصل فيه الإرهاب كذلك حصد الأبرياء في سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن وتونس.
إذن، وفق مؤامرة التفتيت لدول المنطقة والتدمير لصالح كيان الاحتلال الصهيوني بإعادة رسم خريطة المنطقة، لم يعد مستساغًا الادعاء بأن هذه الموجات الإرهابية هي مسرحيات “للنظام” في الدول المكلومة بالإرهاب، وإنما هي صناعة متقنة ومحكمة لها أدواتها وعملاؤها وأبعادها الاستراتيجية، ولذلك فإن هذه الصناعة ـ في تقديرنا ـ ستقوى وستعظم وستتمدد وستكون لها ارتداداتها الخطيرة لتعم كافة دول المنطقة.