تواصل الكفايات والكفاءات العمانية في القطاع الصحي تسجيل إنجازاتها، مبشرة بعهد تجني فيه بلادنا ثمار مسيرة نهضتها المباركة التي جعلت من الإنسان العماني محور التنمية وغايتها، فالعملية التي تمكن فريق طبي عماني بمستشفى جامعة السلطان قابوس من إجرائها وبنجاح أمس الأول وذلك إنقاذًا لامرأة ثلاثينية وجنينها، لا تبعث على الفخر كإنجاز طبي جديد تسجله الكفايات العمانية فحسب، وإنما تؤكد الرؤية الحاذقة والصائبة والمستنيرة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ نحو أهمية الاهتمام بالموارد البشرية وبالإنسان العماني، وأن تنميته والاستثمار فيه هما الإنجاز الحقيقي والنجاح الباهر للنهضة المباركة، وإيمان جلالته ـ أبقاه الله ـ بأن العقول والسواعد العمانية قادرة دومًا على قهر الصعاب ومواجهة التحديات، وعلى تحقيق الأهداف والرؤى، بدليل ما تتكئ عليه عُمان من رصيد حضاري ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، فكيف الحال بهذه العقول والسواعد إذا ما حصلت على العناية والرعاية اللازمتين والكافيتين، ووُفِّرت حقوق التعليم والصحة وسائر مظاهر الاستقرار النفسي والاجتماعي.
ونحن نتابع بكل فخر هذا الإنجاز الطبي العماني الجديد الذي تمثل في عملية زراعة صمام داخل صمام في صمامين نسيجيين (الصمام الأبهري والصمام الميترالي)، وذلك عن طريق القسطرة من خلال فتحة صغيرة في الصدر لم يتجاوز حجمها 5 سنتيمترات، والتي تعد الأولى من نوعها في العالم، من المفيد أن نسترجع ما كان عليه الحال قبل الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م، وما أصبحنا عليه حاليًّا في مختلف مجالات وقطاعات النشاط الإنساني، لتنتعش ذاكرة الكبار، وتتعلم الأجيال الجديدة أن واقعها الحالي الجميل بدأ من رقم الصفر تقريبًا في كل المجالات، وأن هذا الواقع الذي تم بناؤه في فترة قياسية من عمر الزمن، وبفلسفة تحرص على البدء من حيث انتهى الآخرون، إنما هو نتاج قيادة حكيمة ملهمة حددت بدقة المسارات الصحيحة للتقدم والنماء منذ فجر النهضة المباركة، وتابعت كل الجهود المخلصة المتراكمة في مختلف القطاعات لتصحح بعض المسارات وتبلور الأهداف، وتوجه النصح والإرشاد، فظل البناء يعلو عامًا بعد عام، إلى أن أصبح صرحًا شامخًا من التقدم والرقي والتنمية الشاملة المستدامة، التي جعلت الإنسان العماني هدفها وأداتها في آن واحد .
إن هذا الإنجاز الطبي جاء إثر تمكن فريق طبي من العاملين بالمستشفى السلطاني من استخدام تقنية علاجية حديثة لتضييق مجرى الشرايين التاجية بالقلب لمريض يعاني من الارتجاف الأذيني للقلب. وتمثلت التقنية الجديدة في زراعة سدادة في طرف الأذين الأيسر للمريض وتضييق مجرى الشريان التاجي بالقلب، حيث كان الارتجاف الأذيني يفرض على المريض أن يتناول أدوية مسيلة للدم وأدوية أخرى مثبطة لصفائح الدم، ما عزز من نسبة حدوث نزيف في جسمه فاقترح الكادر الطبي إجراء هذا التدخل العلاجي له للاستغناء عن الأدوية المسيلة للدم والحيلولة دون إصابته بنزيف، وكان قبل هذين الإنجازين، إنجاز آخر وهو نجاح فريق طبي عماني بقسم أمراض الدم بالمستشفى السلطاني ولأول مرة في إجراء زراعة خلايا جذعية مستخلصة من نخاع العظم لمريض يعاني من نوع من أنواع السرطان الدم المزمن (المايلوما المتعددة) والذي سبق أن تم علاجه ولعدة سنوات بالعقاقير الخاصة بهذا المرض.
إنها ثمار النهضة المباركة التي أعلت قدر الإنسان والموارد البشرية، وثمار الوفاء بالوعد والإخلاص في العمل، والدقة في التخطيط لبلادنا برؤية مستقبلية واضحة، وسلم أولويات يأخذ بالأهم فالمهم، وليس هناك أهم من صحة الإنسان، فما أجمل أن يخرج مريض من المستشفى مبتسمًا بعد أن دخله متألمًا.
لقد بعثت هذه الإنجازات الطبية المتواصلة أملًا جديدًا في مستقبل صحي أفضل، وشجع على ابتكار وسائل أمثل للمعالجة، مستقبل نجد فيه الجراحين من المواطنين وقد ساروا على نفس درب الابتكار وإعمال العقل واستثمار إمكانيات النافع من العلوم سواء في مجال الطب أو في المجالات الأخرى، ليضيفوا إلى واقعنا الحياتي خبرات جديدة من أجل بناء مجتمع سليم وقوي ومنتج، وقادر على حمل راية النهضة من جيل إلى جيل، فتحية لكل من أسهم في هذه الإنجازات الرائعة.