بتبوؤ السلطنة موقعها الاستراتيجي أتاح لها أن تلعب دورًا رياديًّا تاريخيًّا وحضاريًّا، ومكَّنها أن تقيم جسور التواصل مع الثقافات والحضارات الأخرى، واليوم حين تقوم السلطنة بما يجب لتنشيط ريادتها وتفاعلها الإقليمي والدولي من خلال استغلال موقعها بما يخدم مصالحها ومصالح دول العالم مجتمعة، إنما تنطلق من الثوابت ذاتها التي تميزت بها سياساتها وعلاقاتها وهي التعاون والتقارب وتبادل المصالح والمنافع، ومد جسور التواصل الحضاري والثقافي والتجاري والاقتصادي.
وإذا كان موقع السلطنة المطل على طرق التجارة الدولية قد أتاح لها لعب دور حيوي في الملاحة الدولية في الماضي، فإنه من حقها أن تواصل مسيرتها التاريخية، مُسَخِّرةً في ذلك إمكاناتها كافة، واستثمار موقعها وسواحلها لتكون الواجهة المفضلة لما تمتاز به أيضًا من استقرار سياسي واقتصاد وطني نامٍ يتمتع بالعديد من المقومات والإمكانات التي يبحث عنها المستثمرون ويتطلعون إلى الاستثمار فيها.
والحق، إن موانئ السلطنة من حيث إطلالتها على طرق الملاحة الدولية لا تمثل رئة للاقتصاد الوطني فحسب، وإنما تمثل أيضًا رئة لاقتصادات الدول الأخرى، وذلك لما تتمتع به هذه الموانئ من تجهيزات تكنولوجية وإمكانات بشرية وغير بشرية أعدت خصيصًا لخدمة حركة الملاحة والتجارة الدولية، فموانئ السلطنة كميناء الدقم وصحار وصلالة ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ باتت قادرة على اجتذاب السفن والناقلات للتفريغ والشحن وللصيانة.
وحين تتواتر الإشادات الدولية باقتصادنا الوطني وبمقوماته وإمكاناته كالموانئ واللوجستيات وغيرهما فإنها تكون إشادات مبنية على واقع معاش ومشاهد، ولا تخرج عن هذه الحقيقة إشادة مجلة الـ”نيوزويك” الأميركية بالجهود التي تبذلها السلطنة في سبيل تطوير الموانئ البحرية في إطار خططها لتنويع الاقتصاد الوطني. فقد قالت المجلة في تقرير نشرته الليلة قبل الماضية إن السلطنة تسعى للاستفادة من موقعها الاستراتيجي على المحيط الهندي عبر تطوير موانئ صحار، صلالة والدقم. موضحة أن حكومة السلطنة وضعت إطار عمل لتطوير ميناءي صحار والدقم من خلال التعاون مع دول الجوار، مؤكدة أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تسعى إلى تنويع مسارات التجارة عبر الحدود وإعادة التوازن للتجارة البحرية. كما أن القوى الدولية تنظر باهتمام للموانئ الموجودة في البحر الأحمر والمحيط الهندي خصوصًا الدول الأوروبية التي تملك حصصًا استراتيجية عالية في القرن الإفريقي، وتعتمد بشكل كبير على طرق التجارة البحرية التي تمر عبر مضيق هرمز وقناة السويس.
إن هذه الإشادة تؤكد نجاح السلطنة في اختراق هذا الميدان المهم، وقدرتها على توظيف مواردها وإمكاناتها ومقدراتها ومقوماتها لتؤكد موقعها على الخريطة الاقتصادية والسياسية الدولية، وبالتالي قدرتها على المنافسة العالمية، وأخذ نصيبها من المشروعات العالمية العملاقة. كما أن مثل هذه الإشادات والتطلعات الدولية والإقليمية إلى الاستفادة من إمكاناتنا يجب أن تشكل لنا دافعًا لمضاعفة الجهود باستغلال مواردنا وثرواتنا أحسن استغلال بما يعود بالنفع على هذا الوطن العزيز واقتصاده ورفعته وتقدمه وعلى مصلحة وخير أبنائه.
المصدر: اخبار جريدة الوطن