إن نجاح سياسات الدول سياسية كانت أو اقتصادية يأتي من قدرتها على إدراك الضرورات والمتغيرات في عملية البناء والتأسيس، وأهمية مواكبة التطورات، واستلهام النجاحات لتجارب الدول وطرق بداياتها والاستفادة من تجاربها في العملية التنموية. سياسات تتمتع بالديناميكية وحرية الحركة من خلال مد جسور الصداقة والعلاقات مع الآخرين، وعدم الانكفاء على الذات، والاستفادة من هذه الجسور فيما يخدم المصالح المشتركة، ورفد أعمدة هذه المصالح في جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية.
ولما كانت التنمية مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بالنهج السياسي والاقتصادي، حافظت السلطنة على هذه العلاقة حكمةً وتخطيطًا وممارسةً باعتبارها المنطلق الحقيقي نحو تحقيق الأهداف المنشودة التي قامت عليها النهضة المباركة، حيث ظلت عملية التنمية الاقتصادية وتنمية المواطن من جميع الجوانب وإقامة ركائز هذه التنمية على الدوام محل اهتمام ومتابعة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي ما فتئ في كل مناسبة ومحفل يسدي توجيهاته السامية بضرورة إيلاء الاقتصاد الوطني الأهمية التي يستحقها، والعناية بالموارد البشرية تعليمًا وتأهيلاً وتدريبًا، لكونها حجر الزاوية في عملية التنمية والتطور والرقي التي ينشدها المجتمع العماني. ولا تزال تتوالى التوجيهات السديدة من لدن جلالته ـ أعزه الله ـ بالعمل على تنويع مصادر الدخل وزيادة حجم الإنتاج والموارد، وتشجيع عمليات الاستثمار وجذب رؤوس الأموال وتشجيع السياحة المفيدة والمتلائمة مع مبادئ وقيم المجتمع.
ويعد المنتدى الاقتصادي العماني ـ البرازيلي الذي انطلقت أعماله أمس في مدينة ساو باولو البرازيلية بتنظيم من الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات، بالتنسيق مع سفارة السلطنة في البرازيل والغرفة التجارية العربية البرازيلية، إحدى الدلالات على سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تتبعها السلطنة، والرغبة الأكيدة في تشجيع الاستثمار وجذب رؤوس الأموال والتوجه نحو تنويع مصادر الدخل، حيث يمثل المنتدى مناسبة لتعزيز التطلعات الإيجابية لجذب الاستثمارات الأجنبية ذات الجدوى الاقتصادية إلى السلطنة التي شادت بنية تحتية يشار إليها بالبنان وانتهجت سياسات اقتصادية منفتحة ومشجعة، فغدت المناطق الصناعية والتجارية والموانئ القادرة على استيعاب الاستثمارات الضخمة، وكذلك شبكات النقل والمواصلات، بمثابة حبات العقد الذي يزين عنق السلطنة، ومعبرة عن مدى الاهتمام الذي أخذ يشغل كل من ينظر إليها أو يأتي زائرًا إليها، فيأخذه هذا الاهتمام إلى رغبة صادقة نحو الاستثمار، وتوكيدًا على ذلك تصريح معالي الدكتور ميشيل تامر نائب رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية بأن “إقامة هذا المنتدى يأتي نتيجة لزيارتنا إلى سلطنة عُمان في العام الماضي، حيث تم خلالها مناقشة فرص التعاون بين البلدين، وأن المنتدى يعكس مدى جدية البلدين في توطيد العلاقات التجارية والاستثمارية، وأن هناك عددًا من الفرص للدخول إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وما يؤكد ذلك هو الاستثمار الذي قامت به شركة فالي”.
إن جمهورية البرازيل الاتحادية من الدول ذات التجارب الاقتصادية الرائدة في العالم في بناء اقتصاد قوي معتمدة في ذلك على ذاتها، باذلة كل جهد ممكن في سبيل استغلال مقوماتها ومساحاتها وثرواتها المعدنية والبشرية وخبراتها بما يعود بالخير والرفاه لشعبها، حيث تكاملت هذه الثروات الهائلة والطاقات والخبرات البشرية، ما جعلها قوة صاعدة في عالم اليوم. ولهذا فإن الاستفادة من تجاربها وإقامة شراكة اقتصادية معها يعد نجاحًا لمن أراد النجاح.