ارتفاع إنتاج السلطنة من العسل والتمور بنهاية العام الماضي يؤشر إلى جملة من المعطيات التي من شأنها أن تعزز مفهوم الأمن الغذائي، فهذان المصدران (العسل والتمور) من المصادر الغذائية التي ارتبطت بالإنسان العماني ارتباطًا وثيقًا، حيث مثلت له على مر حقب التاريخ اكتفاءً ذاتيًّا من الغذاء، في الوقت الذي كانت فيه الظروف غير خادمة وغير مواتية لتوافر مصادر غذائية رديفة من خارج البلاد على النحو الآن، الأمر الذي أعطى مفاعيله في تعزيز العلاقة بين الإنسان والأرض، ورسخ هذه العلاقة تحديدًا بين الإنسان والنخلة، فكانت هي بمثابة الأم الرؤوم له، بقدر ما يعطيها من الاهتمام بقدر ما تؤمِّن له لقمة عيش كريمة.
وحسب الإحصائيات الواردة في الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن إنتاج السلطنة من العسل ارتفع بنسبة 8ر38 بالمئة بنهاية العام الماضي 2019م مسجلًا 615 ألفًا و752 كيلوجرامًا مقارنة بـ443 ألفًا و477 كيلوجرامًا بنهاية عام 2018م، فيما زاد إنتاج السلطنة من التمور بنسبة 2ر2 بالمئة ليبلغ 376 ألفًا و982 طنًّا بنهاية عام 2019 مقارنة بـ368 ألفًا و940 طنًّا بنهاية عام 2018م، وهذا يعكس حجم الاهتمام والتوجهات الرائدة، سواء من قبل الحكومة ممثلة بالجهات المعنية أو من قبل المواطنين الذين يرون في النخلة والعسل مصدرًا رئيسيًّا للغذاء لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، فهناك حرص من الجميع على الاهتمام بالنخيل والعمل على إكثارها وتنويعها، وإدخال أصناف جديدة تمتاز بجودة منتجاتها، وتلبي الذوق العام والرغبات لدى المنتجين أو المستهلكين، كما أن الحرص ذاته مع إنتاج العسل، حيث ثمة اهتمام كبير من قبل الكثير من المواطنين بتربية خلايا نحل العسل وإكثارها ومضاعفة الإنتاج، علاوة على ذلك أن الذين يهتمون بتربية خلايا العسل وإنتاجه لم يكتفوا بذلك، وإنما لديهم اهتمام كبير بخلايا العسل من السلالة العمانية التي في مقدمتها تأتي سلالة ما يعرف بـ”أبو طويق” قاطعين مسافات بعيدة، ومغامرين ومتجشمين الصعاب من أجل جلب هذه الخلايا وجني عسلها من رؤوس الجبال الشاهقة.
ويضاف إلى هذا الاهتمام، اهتمام الحكومة ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه التي تواصل جهودها الطيبة لتحسين الإنتاج، سواء كان إنتاج التمور أو إنتاج العسل، فعملت على خطط وبرامج استزراع وإكثار النخيل وتجويد أنواعها وتعديد أصنافها في محافظات السلطنة وولاياتها، كما أمدت المهتمين بتربية خلايا نحل العسل بما يحتاجونه من سلالات وبالإرشادات والمتابعة المتعلقة بطرق العناية بها، وتعزيز إنتاجها، فتضافر الجهود بين الوزارة والمزارعين ومربي النحل من شأنه أن يحقق استراتيجيات السلطنة فيما يتعلق بالأمن الغذائي، وتحقيق خطط الاكتفاء الغذائي، وتنويع مصادر الدخل، وتحفيز المزارع العماني على القيام بدوره في تنشيط الاستثمار بهذا القطاع الحيوي المهم والذي يشكل حجر الأساس في أية تنمية أخرى، فضلًا عن أهمية إعادة الارتباط بين الإنسان العماني والأرض والنخلة، فهما كانا ولا يزالان مصدره الغذائي وأمنه الغذائي، فالتوسع في المشروعات الزراعية سبيل نحو تضييق الفجوة الغذائية بين الإنتاج المحلي والاستهلاك المتنامي بسبب زيادة السكان. ولا ريب أن الأمل كبير في تسجيل زيادة أكبر في إنتاج العسل والتمور كل عام عن العام الذي سبقه.
المصدر: اخبار جريدة الوطن