تحتل قضية البيئة وسلامتها أولوية لدى الكثير من حكومات دول العالم، وهذا مرجعه إلى الوعي ما تتمتع به من وعي كبير بأهمية البيئة ووجوب الحفاظ عليها، والحرص على عدم الإساءة إليها، انطلاقًا من الارتباط الكبير القائم بين الكائنات الحية والبيئة من ناحية، وبين الإنسان تحديدًا والبيئة. فمتى ما حافظت البيئة وبناها ومحتوياتها ومحيطها على بكارتها، ونظافتها حافظت على سلامتها وديمومتها، إلا أن هذا لا يتأتى إلا عبر الفهم العميق والوعي الكبير لدى الإنسان المرتبط بالبيئة، وبأن سلامته وصحتها مرتبطتان بسلامة البيئة وصحتها، وبالتالي لا يمكن أن يحافظ الإنسان على صحته النفسية والبدنية بمعزل عن حفاظه على بيئته وسلامته وصحتها.
على أن ما تكتنزه البيئة من صور جميلة تتمثل في الأشجار والجبال والغابات والشواطئ والمحميات الطبيعية يعطيها ثراء كبيرًا يعود نفعه على الكائنات الحية وعلى المناخ، وعلى الإنسان ذاته من حيث استغلال ما تزخر به البيئة في السياحة.
ويأتي احتفال السلطنة ممثلة في وزارة البيئة والشؤون المناخية أمس بيوم الحياة الفطرية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يصادف الثلاثين من ديسمبر انطلاقًا من قناعة راسخة بأهمية السلامة البيئية وانعكاسها على صحة الإنسان والمحيط الحيوي الذي يعيش فيه، وترجمة للجهود والأدوار المستمرة التي بدأتها السلطنة عملًا بتوجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ورؤيته الحكيمة تجاه البيئة. فقد جاء شعار الاحتفال هذا العام “نحو سياحة بيئية مستدامة”، حيث اختارت الوزارة محمية القرم الطبيعية مقرًّا للاحتفال هذا العام، إيمانًا منها بأهمية السياحة البيئية ودورها في تعزيز المحافظة على الحياة الفطرية والاستمتاع بالطبيعة والتراث الثقافي، حيث “السياحة البيئية العمانية تتمركز في عدة مكونات طبيعية، منها جبال السلطنة وتبرز جمال المناظر الطبيعية الخلابة والحياة البرية، وتتصف أنشطة السياحة البيئية في الجبال بشيء من المتعة والمغامرة، وتقام رياضة تسلق الجبال، والمشي بينها، والتخييم الجماعي، واكتشاف الكهوف. كما تشكل حجر الزاوية في السياحة البيئية في السلطنة بما تحويه من ثروات طبيعية فريدة وتنوع بيئي جذاب وعناية فائقة بالحياة البرية والبحرية”.
لقد شكلت المفردات البيئية العمانية مقومات سياحية وأعطت بعدها الجمالي، وأضفت على الحياة الفطرية لمسات تلفت الانتباه وتشد السياح والمهتمين بمجال البيئة والحياة الفطرية والمحميات الطبيعية. والسلطنة وهي تشارك شقيقاتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الاحتفال بيوم الحياة الفطرية في الثلاثين من ديسمبر من كل عام، إنما هي تدعم بشكل أو آخر الجهود القائمة على الصعيد الخليجي والإقليمي والدولي نحو الحفاظ على البيئة، وتعميق الفهم والوعي لدى جميع مواطني دول المجلس وشعوب دول العالم كافة بالإصحاح البيئي والبيئة ومفرداتها، فهذا الاحتفال ـ وكما قال معالي الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ـ يعكس التزام دول مجلس التعاون مع الأسرة الدولية بالمعاهدات والاتفاقيات المعنية بحماية التنوع البيولوجي (الأحيائي)، وقيام دول المجلس بدورها في هذا الجانب، فضلًا عن ما تقوم به من جهود متواصلة لتنمية البيئات الطبيعية التي تحتضن الكائنات الحية، وإقامة المحميات الطبيعية في البيئات البرية والساحلية والبحرية.
وكما هو معروف فإن السياحة صناعة اقتصادية باتت تحرص عليها جميع دول العالم التي ترى في قطاع السياحة مصدرًا من مصادر الدخل، ومصدرًا للتنويع الاقتصادي، وفي هذا الخصوص نجحت العديد من دول العالم في توظيف مقوماتها من الحياة الفطرية والمحميات الطبيعية في تنشيط السياحة، وحققت مداخيل واستطاعت أن تجذب العملات الصعبة، وهذا يعود إلى نجاح سياساتها ومنظومتها التشريعية والقانونية الخاصة بالبيئة والحفاظ عليها وعلى سلامتها.
لذلك تدرك السلطنة هذا الجانب إدراكًا كبيرًا، حيث جاءت المراسيم السلطانية واضحة، مؤسسة بنية قانونية وتشريعية تحفظ البيئة وتصونها، والتي منها المرسوم السلطاني رقم (6/2003) بإصدار قانون المحميات الطبيعية وصون الأحياء الفطرية، لا سيما وأن السياحة البيئية صناعة اقتصادية تتسم بالديمومة والالتزام بأخلاقيات احترام حقوق الآخر في الاستمتاع ببيئة نظيفة. في هذا السياق لم تخفِ وزارة البيئة والشؤون المناخية اهتمامها وتوجهاتها، مؤكدة سعيها من خلال تطوير السياحة البيئية في المحميات الطبيعية إلى إدارة الموارد الطبيعية، وتعزيز مشاركة أصحاب العلاقة في عملية التنمية وتطبيق السياسات المعتمدة للممارسات القابلة للاستدامة، علاوة على رقابتها المستمرة للمحميات الطبيعية وكل ما يتعلق بالبيئة، وذلك بهدف حمايتها، من أي إساءة
أو اعتداء.
المصدر: اخبار جريدة الوطن