من الثوابت التي عملت النهضة المباركة على الحفاظ عليها هي ترسيخ مفهوم العمل بروح الفريق الواحد، تأصيلًا لثقافة المجتمع العماني واستمدادًا لما قام عليه المجتمع العماني من أعراف ومثل وقيم ومبادئ عرف بها وبأنه مجتمع متكامل متعاون متحاب متعاضد في السراء والضراء، حيث غدا هذا المفهوم علامة فارقة وسمة تميزه عن سائر المجتمعات الأخرى، ولم تفتأ الحكومة تبذل جهودًا طيبة ملموسة ومقدرة في سبيل إشراك جميع المؤسسات العاملة في البلاد، سواء كانت ممثلة للحكومة أو المواطنين أو القطاع الخاص، أو مؤسسات إعلامية واجتماعية وثقافية، انطلاقًا من فكر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بأهمية مبدأ المشاركة الفعلية وصولًا إلى حالة التكامل المنشود الذي يعد العمود الفقري لمراحل البناء الإنساني والعمراني والتنموي ورفد تلك المراحل بما تحتاجه من خطط ورؤى وإرشادات ونصائح وتوجيهات وتوعية ومتابعة مستمرة، بما يخدم تطلعات الجميع، ويوفر أسباب العيش الكريم والهناء والتراحم والألفة والمحبة والتواصل والتكافل والتعاون والاستقرار لأبناء هذا البلد، ويؤدي في النهاية إلى خلق بيئة منتجة يسودها الأمن والاستقرار.
وسيرًا على ذلك النهج الذي أرساه جلالته ـ أعزه الله ـ جاء تنظيم الندوة الوطنية (أفضل الممارسات المجتمعية العمانية) التي بدأت أعمالها أمس بمجلس الدولة والتي تهدف إلى ترسيخ قيمة الحوار بين الأجيال وإبراز أفضل الممارسات المجتمعية وتأكيد أهمية ترشيد الإنفاق في المناسبات الاجتماعية والحث على المحافظة على القيم العمانية الأصيلة.
وتعد الندوة التي تشارك في أعمالها 17 مؤسسة حكومية وأهلية من أهم الندوات التي تنظم على المستوى المحلي لكونها جاءت في مرحلة مفصلية جراء المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وكذلك جراء الغزو الثقافي الذي تقوده العولمة، والطفرة اللافتة في مجال التقنيات والتكنولوجيا وفورة وسائل الاتصال وتطور وسائل الإعلام بمختلف وسائله، وكذلك ما يسمى بالإعلام الافتراضي مثل “التويتر والفيسبوك والواتس أب” وغيرها، وتأثير كل ذلك سواء على مستوى المجتمع أو الأسرة أو على مستوى الأفراد المستخدمين والمتلقين.
وفي ظل ذلك شاعت مفاهيم واختلطت أخرى وتداخلت مصطلحات ما أدى إلى التوظيف السلبي والسيء لوسائل الاتصال والتقنيات الحديثة، وممارسة بعض العادات والتقاليد غريبة بسبب غياب المتابعة والتوعية وتلقي ما تنقله وسائل الإعلام والعولمة من ثقافات دخيلة دون إعمال العقل والفكر وفرز بين ما هو نافع وجيد ومتوافق مع القيم والمثل والمبادئ للمجتمع ومع عاداته وتقاليده ومع عقيدته. ولعل من بين المفاهيم التي أسيء استخدامها مفهوم الحرية من قبل معظم شبابنا، وللأسف منشأ ذلك هو الاعتقاد السائد خَطَأً بين هؤلاء الشباب أن الحرية هي حق مطلق للفرد لا تقيدها قيود، وما ضاعف أو بالأحرى عمَّق هذه النظرة الخاطئة وهذا التصور الخاطئ، هو التأثر بالحضارة الغربية التي تنادي بالحرية الفردية غير المقيدة بمبادئ القيم والأخلاق، دون وعي أو إدراك لماهية هذه الحرية ومتى تبدأ ومتى تنتهي وما حدودها وما ضوابطها، وبالتالي اتجه معظم شبابنا إلى الأخذ بقشور الثقافة الغربية والتي بدت واضحة في صرعات الملابس وتقليعات قصات الشعر وفي طريقة الحديث والمشي وغيرها من السلوكيات المسيئة، في حين أن الحضارة الغربية لديها ثقافات أخرى كثقافة العمل والإنتاج واحترام الأنظمة والقوانين والتي كانت سببًا فيما نشهده من فورة اقتصادية وعلمية هائلة.
ولذلك فإن تنظيم الندوة في هذا الوقت تحديدًا جاء ليلامس الواقع بكل لواعجه وتحدياته وحاجة المجتمع وشبابنا إلى أهمية التوعية والاعتزاز بالهوية وإبراز دور الإعلام في التوعية الاجتماعية، وتعزيز القيم والمظهر والذوق العام واحترام الأنظمة والقوانين وترشيد الإنفاق في المناسبات الاجتماعية، فقد كانت الحضارة العمانية ولا تزال غنية بالممارسات الإنسانية الفضلى وبالقيم والمثل والمبادئ المستمدة من شريعة الإسلام، وبالتالي ليست هناك حاجة لأخذ قيم ومبادئ الآخرين خاصة إذا كانت منافية ومتعارضة، وإذا كان هناك من خواء أو انسلاخ بين بعض أفراد المجتمع وبين قيم مجتمعهم ومبادئه، ودفعهم إلى استيراد ثقافة أو عادات وتقاليد غريبة فإن ذلك يعود إلى دور الأسرة ووسائل الإعلام وكافة المؤسسات الاجتماعية والثقافية والرياضية في الأخذ بزمام المبادرة وربط الأفراد بمجتمعهم بغرس قيمه وثقافته وعاداته وتقاليده وتأصيل ذلك وتجذيره في أنفسهم، وهذا هو الرسالة السامية التي أرادت الندوة إيصالها.