المخطوط هو كل ما كتب على بردى أو رق أو ورق وغيرها من المواد عبر مختلف الأزمنة والعصور، والمعروف أن المصريين هم أول من عرف كتاب المخطوطات مستخدمين نباتات البردى منذ آلاف السنين، أي في عهد مصر الفرعونية، أما الصينيون فقد عرفوا صناعة الورق بطريقة يدوية من لحاء بعض الأشجار منذ عام (105م)، في حين نقل العرب عن الصين صناعة الورق اليدوي عام”795″م بإنشاء أول مصنع للورق في بغداد باستخدام الأقمشة بدلا من لحاء الأشجار، وفي عمان انتقل الورق اليها من بغداد والهند وغيرها من البلدان كما استخدم العمانيون الجلود لتغليف المخطوطات والرق للكتابة بإنواعها المختلفة.
ومما لاشك فيه ان عمان أدركت منذ بداية نهضتها المباركة، إحياء الأرث الحضاري المخطوط فقد أصدر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في عام 1976م مرسوما سلطانيا ساميا، بإنشاء أول وزارة للتراث القومي والتي تم تعديل مسمياتها إلى وزارة التراث القومي والثقافة، وأخيرا إلى وزارة التراث والثقافة، بعد أن أضيف إليها اختصاصات أخرى تتعلق بالتراث والثقافة مثل المخطوطات من هيئة جمع المخطوطات العمانية التابعة لديوان البلاط السلطاني ودائرة التراث والمتاحف والآثار من وزارة الإعلام ودائرة الحرف الوطنية من وزارة التجارة والصناعة.
ولا ريب بأن دائرة المخطوطات تعد أبرز عمل قامت وتقوم به الوزارة منذ بداية تأسيسها في عام 1976م وحتى الآن وكان من بين أبرز الاهتمامات في هذا المجال جمع المخطوطات من مختلف مناطق السلطنة والحفاظ عليها من التلف وتصنيفها وفهرستها وتحقيقها ونشرها.
وقد قطعت الوزارة في هذا المجال جهدا كبيرا، فعندما زرت دار المخطوطات في الآونة الأخيرة انبهرت بما شاهدته من تقدم في عمل المخطوطات، بالإضافة إلى الجهد المشار اليه أعلاه أصبحت الدار محط أنظار الكثير من الباحثين في الدراسات العمانية المختلفة كان ذلك على مستوى أبناء هذا البلد أو من الخارج فعلى ضوئها أعدت الكثير من البحوث والدراسات المعاصرة. ودائرة المخطوطات أو دار المخطوطات اليوم تضم بين جنباتها “5335″ مخطوطا يتناول مختلف فنون العلم والمعرفة الانسانية، فإلى جانب مخطوطات القرآن الكريم النادرة والتي كتبت بعضها بماء الذهب وزخرفته بالالوان الزاهية توجد أيضا مخطوطات في الحديث والتفسير والفقه والتاريخ والأدب والطب والكيمياء وعلم الأسرار والفلك ونظام الري بالأفلاج وهي من غير شك ثروة وطنية لا تقدر بثمن. وقد بذلت الوزارة جهدا كبيرا في جمع هذه الثروة الفكرية، فقد قامت بتشكيل لجنة للقيام بزيارات ميدانية لمختلف مناطق السلطنة مهمتها جمع المخطوطات، وهناك لجنة أخرى لتسمية هذه المخطوطات، وتأخذ هذه اللجنة في الاعتبار عند تسمية هذه المخطوطات أهميتها وندرتها وإذا كانت قد كتبت بخط مؤلفها أو أحد تلامذته أو قدمها وجودة خطها أو مزخرفة أو مكتوبة بماء الذهب. تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى لجنتي جمع المخطوطات وتثمينها هناك أيضا لجنة التحقيق والتي تأخذ في الاعتبار أهمية أي مخطوط يراد تحقيقه وطباعته ونشره، وقد أنجز في هذا المجال مئات من المخطوطات بعد تحقيقها إلى جانب ترجمة عدد آخر من المطبوعات النادرة التي تتناول عُمان تاريخها وحضارتها وفكرها الثقافي.
وبالاضافة إلى ماتم تحقيقه وطباعته ونشره من مخطوطات ومطبوعات هامة ونادرة في مختلف فنون العلم والمعرفة الانسانية، جرى إعداد أول فهرس للمخطوطات للتيسير على الباحثين والدارسين للتعرف على مكنونات الدار وتطوير وحدتي الترميم وأرشفة المخطوطات وللتسهيل على هؤلاء الباحثين من تحمل مشقة السفر خارج السلطنة تم الحصول على نسخ من المخطوطات الموجودة بدور المخطوطات والمكتبات العالمية، مثل مكتبة المتحف البريطاني وغيرها. ولا ريب بأن زيارتي الأخيرة للدار وجدت بان هناك الكثير من الأعمال الخاصة بعمل المخطوطات قد أنجزت ويسر للباحث سهولة الرجوع اليها والانتفاع بها في الحصول على نسخ منها دون مشقة عليه، وتعد دار المخطوطات اليوم أحد المعالم الثقافية المهمة في البلاد وانجازا من منجزات نهضتها المباركة المعاصرة.
محمد بن سعيد الوهيبي
المصدر: اخبار جريدة الوطن